كيف تضاعف محبة أبنائك لبعضهم البعض - من أجل أبنائنا

منتدى منتديات عامه - منتدى منتديات منوعه - اخبار جديده مكتب الاستقبال | الترحيب باعضائنا الجدد تهاني الاعضاء - عبارات تهنئة - تبريكات - اهدائات عين سوريا
أضف رد جديد
Sweet Dream
مشاركات: 174
اشترك في: يناير 31, 2024, 11:02 am

كيف تضاعف محبة أبنائك لبعضهم البعض - من أجل أبنائنا

مشاركة بواسطة Sweet Dream »

كيف تضاعف محبة أبنائك لبعضهم البعض
موضوع طويل لكن يستحق القراءة الى النهاية(من أجل أبنائنا)


إلى كل أب وأم يتمنى أن يحدث تغييراً حقيقياً على سلوك أولاده..
إلى كل يد ارتفعت تدعو خالقها، وترجو مولاها، بصلاح الذرية..
أدعوهم جميعاً لمشاركتي هذه الحلقات التربوية؛ من أجل أبنائنا، نهدف بها اكتساب أساليب عملية، تقوي علاقتنا بأبنائنا، وتضاعف تأثيرنا الإيجابي عليهم، وتقلل همومنا، وعصبيتنا معهم، وتزيد استمتاعنا بتربيتهم... تسع عناصر رئيسية سنمر بها بإذن الله تعالى، في مقالات متعاقبة،

نبدأها "برسالة أم" ثم العنصر الثاني "لماذا نفشل في الحوار مع أبنائنا؟" ثم الثالث "ابنك.. هل يكذب؟" والعنصر الرابع بعنوان "اللعب ثم اللعب ثم اللعب"، في العنصر الخامس سنجيب على علامة استفهام يخفيها أصحابها تقول في حيرة: "لماذا لا أسيطر على أبنائي تماماً؟"، ثم نتحدث بإذن الله عن "فن العقاب" في العنصر السادس، وفي العنصر السابع سنجد أخوين متشاجرين يلتفتان إلينا ويقولان: "دعونا نتشاجر من فضلكم" ثم يستأنفا شجارهما، العنصر الثامن بعنوان "هل يشعر أبناؤك بالعدل؟" نرجو ذلك.. أما العنصر التاسع والأخير من هذا اللقاء فهو:

"كيف تضاعف محبة أبنائك لبعضهم البعض"..
هذه العناصر التي سنتناولها بمشيئة الله في المقالات التالية.. تدور مجمل أفكارنا حول السؤال التالي:
كيف نشعر أبناءنا بالكلمات الثلاث:
1- التفهم. 2- الاحترام. 3- القبول.

1- تفهمنا "لحاجات" الابناء. 2- احترامنا "لاستقلاليته".
3- قبولنا له "بعيوبه" وأخطائه مع العمل على تعديلها، وإشعارنا له بهذا التفهم والاحترام والقبول، وهذا هو المهم..


إذن: تفهم – احترام – قبول.
كلماتي موجهة للآباء، وللأمهات أكثر.. حينما أقول الأبناء أو الأولاد أقصد البنين والبنات، وحينما أقول الآباء أو وجهت خطابي للأمهات فالحديث يشمل الاثنين على حدٍ سواء.

العنصر الأول: رسالة أم
اسمحوا لي أن أترك مكاني لأم فاضلة، وفّقها الله في تربية ابنٍ لها، فكان لها الفضل بعد الله تعالى، فيما تميز به من خلق رفيع، وحب للقراءة والاضطلاع إلى جانب تميزه الدراسي، نسأل الله تعالى أن يبارك لها فيه وفي إخوته، وأن يجمعهم في جنته.
كتبت هذه الأم بعد إلحاح – طريقتها في تربية ابنها.. أختار لكم من رسالتها مايلي:
1- أدعو لأبنائي بالهداية والصلاح، كما علمنا الله تعالى بقوله: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً) (الفرقان:74).
2- أركز على إقامة الصلاة وتعظيمها في نفوسهم.
3- أفرغ وقتي ما استطعت لأبنائي.
4- أربط أبنائي بالله في جميع الأحوال.
5- أحفظهم كتاب الله وأحفزهم لذلك.
6- أذكرهم بشكر النعم التي أنعمها الله عليهم.
7- أبعدهم عن النعومة والترف بحرمانهم أحياناً من بعض المحبوبات.
8- أشجعهم على التعاون فيما يستطيعون من أعمال المنزل، وأن هذا مما يؤجرون عليه.
9- أعامل كل ابن من أبنائي بما يناسبه.
10- أذكرهم بمصاحبة الأخيار.
11- أشكرهم عند عمل المعروف.
12- أعاتبهم عند التقصير.
13- أتغاضى عن بعض الزلات.

وتقول هذه الأم الفاضلة: أشارك ابني في طلب العلم منذ صغره بما يناسبه في المختصرات وغيرها حتى أصبح في الحادية عشرة من عمره يقرأ معي في كتاب الشرح الممتع على زاد المستقنع للشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى؛ فأقرأ أنا المتن بصوت مسموع، ثم يقرأ هو الشرح، ونخطط تحت العبارات التي نعتقد أنها مهمة.. كما نستمع لشروح الأشرطة العلمية مثلاً: شرح بلوغ المرام للشيخ/ سلمان العودة حفظه الله، أجلس مع ابني وأكتب ويكتب هو كذلك النقاط المهمة، ونراجعها غداً". انتهى كلامها.

لو تلاحظ معي أخي القارئ وأختي القارئة.. أن كثيراً من الآباء يتعاملون مع أبنائهم بمبدأ "أن أعلمك" بخلاف هذه الأم التي تتعامل بمبدأ "أنا أتعلم معك"، وما أحلى العلم إذا كان سيجمع هذا الابن بأحب إنسانة عنده.

صورة رفيعة لمبدأ المشاركة، وهي الشيء الذي يفتقده كثير من الأبناء لا مشاركة في طلب علم ولا حتى في اللعب، وهي تغرس في نفس ابنها بصورة عملية، عدم حصر العلم بالمناهج الدراسية العقيمة اللي ينساها الطالب أول ما يخلص الاختبار، بل تنطلق مع ابنها إلى المعرفة حيث كانت.
وهناك شيء نسيته هذه الأم، وذكره ابنها لي.. يقول.. تجلس معي دائماً في الصباح إذا خلا المكان، وتنصحني وتذكرني بأني إن لم أكن أرى الله، فإنه يراني، وتوصيني بالإخلاص وصدق النية، وتذكرني كيف صار النووي وابن تيمية، وابن باز وغيرهم علماء، وتذكرني بمواقفهم العظيمة وهم صغار.. وإذا فعلت شيئاً غير صحيح، كانشغالي بشيء لا نفع فيه، أو تأخري قبل وبعد الصلاة، ذكرتني بطموحي وهو: أن أكون عالماً أو مجاهداً يخدم دينه، وتقول لي: هل العالِم يفعل هكذا؟ هل المجاهد يفعل هكذا؟ أتريد أن تخدم الأمة وأنت لا تحافظ على الصلاة؟ لكي أقوم على الفور عندما أتذكر ما خلقت له. انتهى كلامه.
أسأل الله العظيم أن يكثر من أمثال هذه الأم وابنتها، وأن يعيننا على الانتفاع بكلماتها.. والاستفادة منها.


العنصر الثاني: لماذا نفشل في الحوار مع أبنائنا؟
قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: "كفى بالمر إثماً أن يضيع من يعول".
وقال ابن القيم الجوزية في كتابه (تحفة المودود بأحكام المولود) – ولاحظ ما يقول -: "وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قِبَل الآباء وإهمالهم لهم".
أما أبو حامد الغزالي فيقول: "الأبناء جواهر". ونقول له: صدقت – الأبناء جواهر – ولكن يا أبا حامد، كثير من الآباء – مع الأسف – حدادون مع هذه الجواهر.
أستغرب ممن يقول بكل ثقة: أولادي هم أغلى الناس، ثم يخبئ الكلام المهذب، والأسلوب الظريف ليقدمه للغرباء، ولا يكاد يقدم شيئاً منه لأولاده؛ مع أنهم أولى الناس بالكلمة اللطيفة، والتعامل اللبق.

ولعل هؤلاء شغلتهم متاعب التربية وروتينها عن حلاوتها ولذتها، وهي متاعب وآلام لا بد منها، ولا ينبغي أن تؤثر على علاقتنا بهم رغم شدة هذه المتاعب وكثرتها.. إنها كآلام الولادة! هل رأيتم أمّاً تضرب ابنها المولود حديثاً؛ لأنه سبب آلامها؟!! مستحيل.. إنما تحتضنه.. راضية.. سعيدة.. قريرة العين رغم كل ما تسبب فيه من معاناة وآلام. وكذلك التربية يجب أن نفصل فيها بين متاعبنا بسبب الأطفال، وبين تعاملنا معهم. يجب أن نبحث عن المتعة في تربيتهم، ولا يمكن أن نصل لهذه المتعة إلا إذا نزلنا لمستواهم، هذا النزول لمستوى الأطفال: (ميزة) الأجداد والجدات، عند تعاملهم مع أحفادهم، ينزلون لمستوى الطفل، ويتحدثون معه عما يسعده، ويتعاملون معه بمبدأ أن الطفل هو صاحب الحق في الحياة، وأن طلباته مجابة ما دامت معقولة، ورغم أن الأطفال يحبون أجدادهم وجداتهم لا شك، إلا أنهم ينتظرون هذا التعامل اللطيف، والعلاقة الخاصة منا نحن، وتظل صورة الأب الشاب القوي التقي هي النموذج الذي يحبه الولد ويقتدي به ويتعلم منه كيف يقود البيت، ويرعى زوجته وأبناءه في المستقبل.

وتظل صورة الأم الشابة الأنيقة، ذات الدين والحياء والعفة، والذوق الرفيع هي النموذج الذي تتعلق به الفتاة وتقتدي به، وتتعلم منه كيف تكون زوجة وأماً، والفرصة لا تزال متاحة للجميع لتغيير العلاقة بالأبناء، تغييراً ينعكس إيجابياً عليكم وعليهم، سواء في التفاهم والحوار معهم، أو احترام شخصياتهم المستقلة، أو قبولنا لعيوبهم ونقائصهم. إذن: تفهم، واحترام، وقبول.

كل هذا ممكن أن نحققه إذا جعلنا علاقتنا بأبنائنا أفقية، كعلاقة الصديق بصديقه، يغلب عليها الحوار والتفاهم، أما إذا كانت العلاقة رأسية كعلاقة الرئيس بمرؤوسه، ويغلب عليها الأوامر والنواهي، لا شك سيكون تأثيرها الإيجابي قليل.
من علامات نجاحنا في التربية، نجاحنا في الحوار مع أبنائنا بطريقة ترضي الأب وابنه، ولكننا – للأسف – نرتكب أخطاء تجعلنا نفشل في الحوار مع الأبناء؛ وهذا هو مادة هذه المقالة (لماذا نفشل في الحوار مع أبنائنا؟)، وهو العنوان الثاني من العناوين التي تتناولها سلسلة حلقات (من أجل أبنائنا).
أهم أسباب الفشل في الحوار أسلوبان خاطئان:
الخطأ الأول: أسلوب (ما أريد أن أسمع شيئاً).
والخطأ الثاني: أسلوب (المحقق) أو (ضابط الشرطة).
الخطأ الأول: هو أننا نرسل عبارات (تسكيت)، وكذلك إشارات (تسكيت) معناها في النهاية (أنا ما أريد أن أسمع شيئاً منك يا ولدي). مثل العبارات التالية: (فكني)، (بعدين بعدين)، (أنا ماني فاضي لك)، (رح لأبيك)، (رح لأمك)، (خلاص خلاص)، بالإضافة إلى الحركات التي تحمل نفس المضمون، مثل: التشاغل بأي شيء آخر عن الابن أو عدم النظر إليه، وتلاحظ أن الولد يمد يده حتى يدير وجه أمه إلى جهته كأنه يقول: (أمي اسمعيني الله يخليك) أو يقوم بنفسه، ويجيء مقابل وجه أمه حتى تسمع منه.. هو الآن يذكرنا بحقه علينا، لكنه مستقبلاً لن يفعل، وسيفهم أن أمه ممكن تستمع بكل اهتمام لأي صديقة في الهاتف أو زائرة مهما كانت غريبة، بل حتى تستمع للجماد (التلفاز) ولكنها لا تستمع إليه كأن كل شيء مهم إلا هو.

لذلك عندما تنتهي من قراءة المقال، ويأتيك ولدك يعبر عن نفسه ومشاعره وأفكاره، اهتم كل الاهتمام بالذي يقوله، هذا الاستماع والاهتمام فيه إشعار منك له بتفهمه، واحترامه، وقبوله، وهي من احتياجاته الأساسية: التفهم، والاحترام، والقبول بالنسبة له، حديثه في تلك اللحظة أهم من كل ما يشغل بالك أياً كان، إذا كنت مشغولاً أيها الأب أو أيتها الأم.. أعطِ ابنك أو ابنتك موعداً صادقاً ومحدداً..

مثلاً تقول: أنا الآن مشغول، بعد ربع ساعة أستطيع أن أستمع لك جيداً، واهتم فعلاً بموعدك معه.. نريد أن نستبدل كلماتنا وإشاراتنا التي معناها (أنا ما أريد أن أسمع منك شيئاً) بكلمات وإشارات معناها (أنا أحبك وأحب أن أسمع لك وحاس بمشاعرك) وبالأخص إذا كان منزعجاً أو محبطاً ونفسيته متأثرة من خلال مجموعة من الحركات: الاحتضان، الاحتضان الجانبي، والاحتضان الجانبي حتى نتخيله.. حينما يكون أحد الوالدين مع أحد الأبناء بجانب بعضهم وقوفاً، كما في هيئة المأمومين في الصلاة، أو جلوساً يمد الأب أو الأم الذراع خلف ظهر الابن أو فوق أكتافه ويضع يده على الذراع أو الكتف الأخرى للابن ويلمه ويقربه إليه، بالإضافة إلى الاحتضان الجانبي التقبيل بكل أشكاله، والتربيت على الكتف، ومداعبة الرأس، ولمس الوجه، ومسك اليد ووضعها بين يدي الأم أو الأب... وهكذا.. لمّا ماتت رقية بنت الرسول – صلى الله عليه وسلم – جلست فاطمة – رضي الله عنهما – إلى جنب النبي – صلى الله عليه وسلم – وأخذت تبكي .. تبكي أختها.. فأخذ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يمسح الدموع عن عينيها بطرف ثوبه يواسيها مواساة حركية لطيفة، ودخل علي بن أبي طالب وفاطمة ومعهما الحسن والحسين – رضي الله عنهم أجمعين – على رسول الله – صلى الله عليه وسلم-، فأخذ الحسن والحسين فوضعهما في حجره، فقبلهما، واعتنق علياً بإحدى يديه، وفاطمة باليد الأخرى، فقبّل فاطمة وقبّل علياً – رضي الله عنهما -.

حتى الكبير يحتاج إلى لغة الحركات الدافئة، فما بالكم بالطفل الصغير؟! والشواهد على احتضانه وتقبيله للصغار كثيرة جداً.
كان حديثنا في هذه الحلقة علاجاً للخطأ الأول في الحوار مع الأطفال، وهو ما لخصناه في عبارة (ما أريد أن أسمع شيئاً) أما علاج الخطأ الثاني من أخطاء الحوار، وهو أسلوب (المحقق) فهو حديثنا - بمشيئة الله – في الحلقة القادمة.. والله يرعاكم.

لا نزال معكم في أسباب الفشل في الحوار مع الأبناء.. وبعد عرضنا للخطأ الأول وعلاجه في الحلقة السابقة.. ها نحن نلتقي على علاج الخطأ الثاني، وهو: (أسلوب المحقق) أو (ضابط الشرطة)..
ومع مشهد ننقله كما هو بكلماته العامية:

جاء خالد لوالده، وقال: (يبه اليوم طقني ولد في المدرسة).. ركّز أبو خالد النظر في ولده، وقال: (أنت متأكد إنك مش أنت اللي بديت عليه)؟! قال خالد: (لا والله.. أنا ما سويت له شي).. قال أبو خالد: (يعني معقولة كذا على طول يضربك؟!).. قال: (والله العظيم ما سويت له شي).. بدأ خالد يدافع عن نفسه، وندم لأنه تكلم مع أبيه.. لاحظوا كيف أغلق أبو خالد باب الحوار، لما تحول في نظر ابنه من صديق يلجأ إليه ويشكي له همه إلى محقق أو قاضٍ يملك الثواب والعقاب، بل قد يعد أباه محققاً ظالماً؛ لأنه يبحث عن اتهام للضحية، ويصر على اكتشاف البراءة للمعتدي.. الأب في مثل قصة أبي خالد كأنه ينظر للموضوع على أن ابنه يطلب منه شيئاً.. كأن يذهب للمدرسة ويشتكي مثلاً، ثم يستدرك الأب في نفسه، ويقول: قد يكون ابني هو المخطئ، وحتى يتأكد يستخدم هذا الأسلوب.. في الحقيقة الابن لا يريد شيئاً من هذا أبداً، إنه لا يريد أكثر من أن تستمع له باهتمام وتتفهم مشاعره فقط لا غير..
الولد يريد صديقاً يفهمه لا شرطياً يحميه، ولذلك يبحث الأبناء في سن المراهقة عن الصداقات خارج البيت، ويصبح الأب معزولاً عن ابنه في أخطر مراحل حياته، وفي تلك الساعة لن يعوض الأب فرصة الصداقة التي أضاعها بيده في أيام طفولة ابنه، فلا تضيعوها أنتم.

أسلوب المحقق يجبر الطفل أن يكون متهماً يأخذ موقف الدفاع عن النفس، وهذه الطريقة قد تؤدي إلى أضرار لا تتوقعونها.. خذ على سبيل المثال، قصة يوسف والسيف المكسور.. يوسف عمره سبع سنوات.. اشترى له والده لعبةً على شكل سيف جميل، فرح يوسف بالسيف، أخذه الحماس، وعاش جو الحرب وكأنه الآن أمام عدو، وبدأ يتبارز معه، وقع عدوه على الأرض، رفع السيف عليه وهوى به بشدة على السيراميك فانكسر السيف طبعاً، خاف يوسف من والده، فكّر في طريقة يخفي بها خطأه، جمع بقايا السيف وخَبَّأه تحت كنب المجلس.

جاء ضيف لأبي يوسف، وأثناء جلوسهم سقط الهاتف الجوال لأبي يوسف فانحنى لأخذه وانتبه عندها للسيف المكسور، عندما خرج الضيف، نادى ابنه (لاحظوا الآن سيأخذ الأب دور المحقق) صرخ قائلاً: (يوسف وين سيفك الجديد؟).. قال: (يمكن فوق..) قال: (إيه يمكن فوق.. ما أشوفك يعني تلعب به؟) قال الولد: (ما أدري وينه..). قال الأب: (ما تدري وينه؟ دوّر عليه أبغى أشوفه هالحين).. – ارتبك يوسف – ذهب قليلاً.. رجع قال: (يمكن أختي الصغيرة سرقته) صاح الأب قائلاً: (يا كذاب.. أنت كسرت السيف.. صح ولاّ لا..؟ أنا شايفه هناك تحت الكنب.. شوف ترى أكره شيء عندي الكذاب)، وأَمْسَكَ يد ابنه وضربه، ويوسف يبكي، أخذته أمه، ونام ليلته ودمعته على خده لتكون هي هدية والده وليست السيف.

في هذه القصة ظن الأب أنه معذور في ضرب ابنه؛ لأنه لا يريد أن يكون ابنه كذاباً، وهذا العذر غير مقبول نهائياً.. نقول له: ما الذي جعل يوسف يكذب غير أسلوك.. كان يكفيه أن يقول: (أشوف سيفك انكسر يا يوسف) يقول مثلاً: (إيه كنت ألعب فيه وكسرته) يقول الأب: (خسارة؛ لأن قيمته غالية).. وينتهي الأمر عند هذا الحد. وقتها يفهم يوسف عملياً أنه يستطيع التفاهم مع والده، وأن يقول مشاكله وهو مطمئن، وسيشعر بالخجل من نفسه ويحافظ على هدايا والده أكثر؛ لأن الأب أشعر يوسف بأنه مقبول رغم خطئه بكسر السيف.
أسلوب المحقق أدّى إلى الكذب، والكذب هو موضوع العنصر الثالث


العنصر الثالث: هل يكذب أحد أبنائك؟

أهم أسباب الكذب ما يلي:
1- عدم الأمان.
2- لا تقل يا بني الحقيقة.
3- الكذب الخيالي.
4- يا كذاب.
5- أمي وأبي يكذبان أيضاً.

أهم أسباب الكذب،هو: الخوف وعدم الشعور بالأمان..

عندما نستخدم أسلوب المحقق -كما رأينا- أو نستخدم العقاب الشديد أو النهر واللوم والصراخ بصوتٍ عالٍ عندما يتصرف بشكل خاطئ؛ فيكذب في هذه الأحوال للدفاع عن نفسه، والتخلص مما يخاف من العقوبة.
علاج هذا النوع من الكذب، يكون باستخدام الحوار والتفاهم، والأهم إشعاره بالأمان، والسؤال هنا:هل يمكن للوالدين أن يشعرا أبناءهما بالأمان إذا لم يكونا يشعران أصلاً بالأمن والطمأنينة في قلبيهما؟ إن فاقد الشيء لا يعطيه، لذا ينبغي أن يتأملا أسباب عدم طمأنينتهما، سواء في صلتهما بالله أو علاقتهما الزوجية أو ما يتصل بالعمل.. فيبدآن أولاً بتحقيق الأمان والسكينة والطمأنينة لنفسيهما، والإكثار من الدواء الرباني، يقول علام الغيوب: "أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ" (الرعد: من الآية28).

من أسباب الكذب ألا نسمح له بقول الحقيقة:
خذ على سبيل المثال موقفاً قد نحتار فيه، عندما يقول الطفل لأمه: إنه يكره أخاه الجديد، يقولها لشعوره بالغيرة منه، قد تضربه أمه لقول الحقيقة وتقول له: عيب لا تقل هذا الكلام، أما إذا لف ودار وساير أمه، وأعلن كذبة واضحة بأنه حالياً يحب أخاه قد تكافئه أمه بحضنه أو قبلة فيستنتج الطفل أن الحقيقة تؤذي، وأن عدم الأمانة وعدم الصدق يفيد، والأم تكافئه، إذن فهي تحب الكذبات الصغيرة.

العلاج لهذا النوع من الكذب (لا تقل يا بني الحقيقة): قبوله بعيوبه والعمل على تعديلها، نعترف بمشاعره السلبية، ونظهر تفهمنا لها ونشعره باحترامنا لاستقلاليته، واستقلالية مشاعره عنا، وهذا كفيل -إن شاء الله- بزوالها، مع عدم لومه أو معاتبته عليها، مع العمل على علاج جذور المشكلة التي أدت إلى الشعور السلبي الذي رفضته الأم بطريقتها الخاطئة.. كانت المشكلة أنه يغار من أخيه، هذا الأخ سرق اهتمام والديه، وأكل الجو عليه، فيكون العلاج بعد قبوله بمشاعره السلبية، أن نعمل على تغييرها بإعطائه مزيداً من الاهتمام الصادق والمشاركة في اللعب والحديث وتحسين العلاقة بينه وبين أخيه بطريقة غير مباشرة مثلاً: (أخوك يحتاجك.. أنت ستساعده.. هو يحتاج واحد يلعب معه.. أنت الذي ستفهمه.. أنت الذي ستعلمه.. أنت الذي ستساعدنا على تربيته... إلخ).

3- السبب الثالث من أسباب الكذب: (الكذب الخيالي)،وهو عند الأطفال الصغار.
لمدة معينة من حياة الغير، يعطي الطفل لنفسه ما يحتاجه من (الأمان) أو يتمناه من (الحنان) أو (الهدايا) من خلال الكذب الخيالي، فأكاذيبه هنا تتحدث عن مخاوفه وآماله، عندما يقول الطفل إن أحد أقاربه أهدى إليه سيارة حقيقية كسيارة والده، يمكن أن ندرك رغبته وآماله في ذلك، فنقول له:أنت تريد يكون عندك سيارة مثل سيارة أبيك.. صح.. أنت تريد يكون عندك سيارات كثيرة وسريعة.. جيد)، وهكذا مع مختلف الكذبات التي من هذا النوع.. أظهر تفهمك لما خلف الكلام من المشاعر والمعاني، وساعده على إظهارها والتعرف عليها وقبولها منه، واحذر من الأخطاء الشائعة التي يقع فيها كثير من الآباء، سواء من السخرية بهذه الكذبات أو نهره عن هذا الكلام أو اتهامه بالكذب، هذا الاتهام بالكذب سيؤدي به مستقبلاً إلى السبب الرابع من أسباب الكذب.

4- السبب الرابع من أسباب الكذب [يا كذاب]، وهو أن يسمع والديه وهم يقولون له: يا كذاب، سواء بالتصريح أو التلميح بأنه بهذا الوصف..
الذي يكون عندما نرسل له هذه الرسالة (يا كذاب) هو أن نخزن في عقله الباطن صورة الكذاب عن نفسه، فتحركه هذه الصورة نحو الكذب تلقائياً، خلاف ما لو كانت الصورة التي تطبعها في ذهن ابنك عن نفسه صورة مشرقة، كصورة المجاهد والعالم، الذي كانت إحدى الأمهات تذكر ابنها بها، وكانت هذه الصورة هي فعلاً الصورة التي بدأت تكسو شخصية هذا الابن وتحركه نحو الوصول إلى هذا الطموح الرائع.
ولذلك يجب على الوالدين أن يخزنوا في عقل ابنهم أنه صادق وغيرها من الصفات الحميدة التي يريدون زرعها فيه، ويرسلوا هذه الرسائل باستمرار.
ذكرنا إلى الآن أسباب الكذب عند الأطفال، وهي:
1- عدم الأمان. 2- لا تقل يا بني الحقيقي.
3- الكذب الخيالي. 4- يا كذاب.
ويتبقى السبب الخامس.

5- السبب الخامس من أسباب الكذب: (أبي وأمي يكذبان أيضاً): وهذه مصيبة في الحقيقة، قد يجد الابن والده يكذب على أمه، وأمه تكذب على والده ، والاثنان يكذبان عليه أو على إخوته... وهكذا، فيرث الابن الكذب ويكتسبه من هذا البيت (بيت الكذابين)، وفضلاً عن أن يكون كذاباً فهو يفقد الثقة بأحاديث والديه معه.
قال الشاعر:
كذبت ومن يكذب فإن جزاءه ....... إذا ما أتى بالصدق ألا يصدقا
فالابن لا يفقد الثقة في أحاديث والديه فحسب، بل المرّ والمؤلم أنه يفقد الثقة حتى في عواطفهم، ويفقد احترامه وتقديره لهما، وكل هذا بالغ الألم عليه وعلى والديه الذين لم يتبقَّ لهما شيء بعد كل الذي فقداه.

الدين لا يفرق بين الكذب صغيره وكبيره، فكله كذب، كذلك الطفل، ولذلك يمكن للوالدين أن يسقطوا تاج الصدق عن رؤوسهم أمام أبنائهم بمداومة الكذب ولو في الأشياء الصغيرة.
وعلى من يكذب من الآباء أن يتذكر قول الله –تعالى-:"إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ" (النحل:105) وعليهم أن يخشوا على أنفسهم الكذب وإثم تعليمه صغارهم فيشاركونهم الوزر كلما كذب هؤلاء الصغار مستقبلاً.

أما إذا صحح الوالدان أو المبتلى منهما بالكذب.. هذا العيب الشنيع في نفسه، وصدق هو أولاً مع الله، ثم استمر الكذب عند الابن.. عندها يوجه الطفل توجيهاً مباشراً وهادئاً، ويخوفونه من صفة الكذب، وأن الله –تعالى- يقول:"مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ" (قّ:18)، وأنها من صفات المنافقين والفجّار، وأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- علمنا أن الكذب لا يكون في مؤمن، وأن خوفنا من الله جعلنا نتوب من الكذب (لاحظ الاعتراف بكذبهم سابقاً)، وأنت أيضاً ستتوب من الكذب من هذه اللحظة، ثم اطلب من الطفل أن يتوضأ ويصلي ركعتين.. ويستغفر الله (عشر مرات مثلاً)، وقل له: إنه كلما زاد فهذا أفضل، غالباً سيخبركم أنه استغفر أكثر فأظهر الفرح والإعجاب بذلك، وإن كان صغيراً لا يعرف الصلاة فيكفي الاستغفار -إن شاء الله-، وابذل كل جهدك بعد ذلك لضبطه متلبساً بالصدق فتكرمه بتشجيعك وبالعفو عنه عند خطئه؛ لأنه صادق.

العنصر الرابع: اللعب ثم اللعب ثم اللعب

قصة السيف المكسور التي سبق ذكرها في العنصر الثالث: "لماذا نفشل في الحوار مع أبنائنا" فيها جانب آخر، وهو جانب اللعب، وهذا هو موضوع العنصر الرابع...
لا أظن أبا يوسف عندما أثار هذه الزوبعة من أجل سيف انكسر أنه يدرك الهدف أصلاً من شراء اللعبة، وهو أن ابنه يتسلى بها ويتعلم منها، وهذا الذي حصل، تعلم أنه إذا ضرب قطعة بلاستيكية في الأرض الصلبة بقوة أنها تنكسر وأشبع فضول ابنه..

لماذا الأب غضبان؟! والهدف قد تحقق! قد يكون ذلك لشعوره أنه مطالب بأن يشتري أخرى، وهذا غير صحيح فليس من الضروري شراء أخرى، أو استهانة بالجهد الذي بذله في شراء هذه اللعبة!! أيضاً هذا غير صحيح فالابن لا يقصد إطلاقاً أن يستهين بجهد والده، بل يظل يقدر هذا الأمر، ربما يكون غضباناً لقيمة اللعبة وتكلفتها..

نقول: أنت اشتريتها لهدف، والهدف تحقق وإذا لاحظت أن ابنك قد ملَّ من اللعبة لا تجبره بالاحتفاظ بها؛ لأن هذا مسؤولية وَهَمّ جديد عليه، وتتحول من لعبة تسلية ويستمتع بها ويعمل معها صداقة إلى هَمٍّ على رأسه، فمجرد ما تراه قد انتهى منها وملّ منها، نمِّ فيه جانب الصدقة، قل له: ما رأيك أن نتصدق بها إلى أطفال مساكين ما عندهم ألعاب... إلى آخره، وتأخذه بألعابه يسلمها بيده إلى الجماعة الخيرية تُفَرّح المساكين الذين يتصدق عليهم الناس بكل شيء إلا الألعاب لا يتصدقون بها، فنتصدق بألعاب الولد القديمة، وحتى الجديدة لماذا لا نتصدق بها؟!! ونذكره بقوله – تعالى-: "لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ" (آل عمران: من الآية92)، ونزرع فيه بذرة هذا الخلق العظيم، وهذه العبادة العظيمة.

لماذا نظن أن اللعبة الجيدة هي الغالية؟! هذا غير صحيح، فضول الولد يتوجه لكل شيء، لذلك أشياء بسيطة جداً قد تسليه وتثير خياله وتحرك جسمه أيضاً، بل حتى مخلفات البيت يحولها إلى ألعاب ممتعة (خذ يا ولدي فهذا قالب بيض فارغ ضع فيه بقايا الرز واربطه بخيوط وعلقه بشجرة حتى نتفرج على العصافير وهي تقف عليه وتأكل منه).

الأنشطة بالنسبة للطفل إما ممتعة تستحق القيام بها أو غير ممتعة لا تستحق القيام بها، هذا تصنيف يمشيه على كل شيء، سواء على المذاكرة أو الأعمال المنزلية، لذلك لو ربطنا بين الأعمال المنزلية اليومية واللعب والتسلية واستطعنا تقديمها في قالب المتعة، سيتعلم المسؤولية ويساعد ويشارك، مثلاً: تحديد زمن محدد لكل ابن حتى يرتب غرفته، (يا عيال أمامكم خمس دقائق لكل واحد يرتب فيها غرفته) في جو من الإثارة والقبول، يمكن الاكتفاء بالفكرة إلى هذا الحد ويمكن وضع حافز بسيط معنوي أو مادي لكل المشاركين، وحافز إضافي لصاحب أجمل غرفة، فيُقْبِل الابن على هذه العملية بطريقة ممتعة له.
يجب أن نكسب كل ما نريده من الأبناء برداء اللعب والمتعة كقاعدة عامة، وهذا ما يريده الأطفال، يريدون اللعب في المدرسة، ويريدونه عند الطعام، ويريدونه عند النوم، مستواه الدراسي يرتفع إذا قدمت له المادة العلمية على شكل ألعاب مسلية، فَهْم هذه النقطة من أسباب تألق العديد من المدرسين.

كل ما على الآباء أن ينتهزوا اهتمام الطفل بشيء، فهو دائماً يهتم بشيء، نعطيه الحرية لإشباع فضوله ونطلق خياله ونشاركه، كل هذا يعكس مفهومه لحاجته في التخيل واللعب والمشاركة.
يقول الدكتور مأمون مبيض في كتابه (أولادنا من الطفولة إلى الشباب): حاول ألا تكون سلبياً أمام خياله، فإذا قال لك مثلاً عن علبة اللبن الفارغة: إنها سيارة فلا تسارع إلى تحطيم خياله، فتقول: هذه ليست سيارة، بالنسبة إليه هي سيارة تمشي ولها محرك، وعلى العكس حاول أن تشجع خياله على التصور والإبداع، ويضيف قائلاً: لا تحاول أن تتسرع بإبداء اقتراحاتك وهذه مشكلتنا، إذا أردنا أن نلعب مع أولادنا لا بد أن نقترح ونوجه اعمل كذا.

يقول الدكتور مأمون: "اعرض مساعدتك عندما يطلب ذلك، ولتكن مساعدتك عن طريق أسئلة تثير خياله" انتهى كلامه.
قاعدة الكبار: هي أن نضع جهودنا لنصل إلى نتيجة معينة، أما الطفل فلا يستمتع باللعب ولا تهمه المحصلة النهائية أو النتيجة فلا يجب أن نلوم وكأنه أخطأ عندما لم يكمل اللعبة.

فأقول: الخطأ عموماً في اللعب والحياة حق من حقوقه يجب أن نَقْبل بأخطائه ونعطيه الفرصة أن يُعَدِّلَها ويصححها، ولا يمكن أن يتعلم إلا إذا أخطأ، فأنتِ على سبيل المثال، هل يمكن أن تتعلمي الخياطة بقراءة كتاب أو أحد يقول لك: اشتغلي؟ مستحيل!

وإذا كان الكبار يتعلمون بعض الأشياء بالقراءة فقط، فالأطفال يتعلمون كل شيء بالعمل والممارسة، لذلك إذا كنا دائماً نعاتبه على أخطائه فكأننا نعاتبه على التعلم، هكذا يجب أن ننظر إلى اللعب على أنه حصة تعليمية كحصص المدرسة، بل أهم فهو في اللعب يعلم نفسه بنفسه ولا ينسى ما تعلمه، كما هو الحال في المدرسة هناك شخص آخر يعلمه، وأيضاً ينسى ما تعلمه في نهاية السنة ويقضي حصصها بملل، بعكس اللعب، بل ربما تكون أجمل وأحلى لحظات حياته كلها هي لحظات اللعب، لذلك يجب علينا عدم مقاطعة لعبه إلا لضرورة ونتذكر جميعاً كم يكدر صفو الزوجين مقاطعة الأطفال في لحظاتهم الخاصة، وكذلك الأطفال لا يحبون من يقاطع لحظاتهم الخاصة، ولنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة، إحدى المرات أطال السجود حتى ظن الصحابة أنه يوحى إليه أو حدث أمر فسئل عن ذلك، فقال: كل ذلك لم يكن ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته، فلا الصلاة ولا الناس جعل الرسول يقطع لعب الصغير أبداً، ثم لاحظوا كيف سمى اللعب حاجة - صلوات الله وسلامه عليه - حتى النوم إذا أردت أن توقفيه عن اللعب لينام فلا تقاطعيه، بل خذيه مع لعبته إلى الفراش واتركيه قليلاً لينام، أو تحدّثي معه بقصة جميلة أو استمعي لبعض أحاديثه حتى ينام.

يجب النظر إلى أن الأسرة، وهذا البيت كله ما أقيم إلا لهذا الطفل، فكذلك أثاث منازلنا يجب أن نراعي عند اختيارنا طبيعة الأطفال وما نتوقعه، لاحظوا كيف صممنا منازلنا، مجلس الرجال (ممنوع اللعب فيه)، مجلس النساء (ممنوع اللعب فيه)، مقلط الرجال والنساء أيضاً غير صالحين للعب بحرية، ولا حتى حديقة البيت، انتبه لا تخرب الزرع لا تدس الورد، إذا لعب في هذه الأماكن وخرب عوقب، لا يوجد مساحة يمتلكها بالكامل يعمل فيها ما يشاء إلا سريره حتى السرير (لا تقفز على السرير يا ولد)، وللأسف اكتفينا بألعاب (السوني)؛ لأنها لا تأخذ مكاناً، والأبناء يحبونها جداً ويصبحون هادئين تماماً لكن هذا لا يكفي لا بد من النظر في آثارها، ينقل الشيخ عبد الحميد البلالي في كتابه (فنون في تربية الأبناء) حديثاً عن دكتور أمريكي في علم النفس وهو غير مسلم، يقول: ألعاب التلفزيون تسهم إلى حد كبير في غرس آثار نفسية عميقة سيئة، وتعوق الخبرة الواقعية وتزيد من أوهام الطفل بالإضافة إلى غرس مفاهيم مغلوطة مما ينتج عنه أطفال ذوو شخصيات مهزوزة اتكالية عنيفة، غير مقنعة، غير متذوقة للجمال، غير منسجمة مع الواقع، وكلما كانت اللعبة تحتاج إلى مجهود عضلي وذهني من الطفل كانت مفيدة له في غرس هذه الخبرات الواقعية، انتهى كلامه.

هناك أحد الجيران تفهم حاجة أطفاله للعب والاستقلال، استغل سطح البيت وعمل فيه غرفة كبيرة وجعلها للعب، كل ألعاب الأولاد وحركتهم فيها، بل ويشاركهم اللعب أيضاً كلما وجد فراغاً في الوقت، وهذا يسعدهم طبعاً؛ لأنهم يحبون أن يكون لهم مكان في حياته.
أحد الأقارب بيته مليء بالتحف ولمسات ديكور في كل مكان لا تحتمل اللعب خمس أطفال كانوا يسكنون هذا البيت، رغم ذلك لا تعاني صاحبة البيت من أية متاعب، صاحب البيت كان يبني أيام أزمة الخليج، ولذلك جهز قبواً واسعاً احتياطياً، وصار القبو من حظ العيال، مساحة واسعة للعب، ويستفاد منها في المناسبات الكبيرة عند الحاجة، حتى الذي ليس عنده قبو سيجد مساحات ميتة يمكن إحياؤها بضحكة أطفاله وفرحتهم بدون قيود، وهذا أهم شيء (بدون قيود)..

أذكر عندما انتقلنا إلى بيت جديد في الدمام ما فيه إلا السجاد، تعال حتى تشاهد فرحة العيال وهم يركضون في المساحات الواسعة ويلعبون فرحين بدون قيود من الوالدين؛ لأن ليس فيه شيء أصلاً يخاف عليه، لذلك أقل ما في الأمر أن نخفف قدر الإمكان مما نخشى عليه من الأطفال، نجعل بيوتنا أكثر بساطة ونوسع صدورنا أكثر بلعب الأطفال وفوضاهم، والله فوضى أبنائنا وضحكتهم وهم يلعبون بحرية لها حلاوة لا نعرف قيمتها إلا إذا راحوا عنا

العنصر الخامس: لماذا لا نسيطر على أبنائنا تماماً؟!

ويحتوي على عناوين فرعية هي:
أولاً: أبناؤنا والضيوف.
ثانياً: أساليب خاطئة للسيطرة وهي:
1- يا وليك.
2- تطيعني غصب.
3- الأب الراشي والابن المرتشي.
4- أوعدك.
5- ما أحبك.
6- الكلمة الخالدة (عيب).
7- الغضب والانفعال.
ثم نذكر العلاج.

أولاً: أبناؤنا والضيوف:
لماذا نشعر أحياناً أن أساليبنا في التربية تحت الامتحان عندما يتعامل ضيف مع أحد أبنائنا؟!! لماذا نكون قلقين نخاف فشل الولد أو لا يتصرف بشكل صحيح؟!! الولد يشعر بأنه محاصر بنظرات الضيف من جهة وبنظراتنا المشحونة برغباتنا، ومنها: أنه يسلم على الضيف ويقبل رأسه ويبتسم في وجهه...، فالولد يقول في ذهنه: لماذا نظرات أبي إليّ هكذا؟!! لم أفعل شيئاً!!
بعض الآباء يعلم ابنه الأدب بطريقة خطأ..
مثال: عندما ينسى الطفل أن يقول شكراً.. نجد الأب يقول له: قل: شكراً، قل: شكراً.. وبعد الأطفال الصغار مع زيادة إطلاق النظرات والأوامر والإحراج يبكي، ومع كل ضيف يتكرر نفس الموقف.

وتخيلي أختي القارئة لو كنتِ في مجلس كبير وقدمت لك امرأة لا تعرفينها عصيراً ونسيتِ أن تقولي شكراً، ثم قالت امرأة في نهاية المجلس بصوت عالي: قولي لها شكراً، ما هو شعورك؟!! لا شك (قلة ذوق من هذه المرأة؟!)
كذلك نحن لا يصح أن نعلم أبناءنا الذوق بقلة ذوق، وإنما نعلم الابن مُسْبَقاً وليس أثناء دخول الضيوف أو قبلها مباشرة، كذلك عندما يرى والديه ينتهجان السلوك الصحيح يبدأ يقلدهما تدريجياً - إن شاء الله-.

ثانياً: أساليب خاطئة للسيطرة:
1 – يتمنى كل الآباء السيطرة على سلوك الأبناء بتوجيهه حسب رغبته سواء مع الضيوف أو بشكل عام إلى ما يظنون أنها مصلحة الابن وفي سبيل ذلك قد يستخدم الآباء أساليب غير سليمة للسيطرة مثل التهديد أو أسلوب (يا ويلك) وهو أول الأساليب مثل ما نقول للطفل الصغير اعمل كذا مرة ثانية وستشاهد ما أفعل بك! (تهديد) وليس هذا التهديد إلا تحدٍّ لاستقلال الطفل الذاتي، فإذا كان عنده أي احترام ذاتي لنفسه لا بد أن يخالف مرة أخرى ويظهر لنفسه وللآخرين أنه ليس جباناً، ولذلك إذا قلت له اعمل كذا مرة ثانية وتشوف وش أسوي بك! فهو لا يسمع كلمة (وتشوف وش أسوي بك).
مثل قصة عبد الكريم عمره 9 سنوات أمسك البندقية البلاستيك ثم صوبها على أخيه وعمره سنة، فقالت له أمه: عبد الكريم يا ويلك إن ضربت أخاك الصغير، صوِّب على الجدار.

يتغافلها عبد الكريم ويصوِّبها على أخيه مرة ثانية فيبكي الولد وتنزعج الأم أكثر، لكنها تصرفت بحكمة لما أخذته بهدوء مع يده وأجلسته في حضنها وضمته وقبلت رأسه وقالت: يا ولدي الناس ليسوا هدفاً حتى تصوب عليهم البندقية، إلا إذا أصبحت مجاهداً تقتل الكفار، هل تريد أن تدخل الجنة؟! قال: نعم، قالت: هل تريد أن يدخل أبوك وأمك الجنة؟! قال: نعم، قالت: إن كَبُرت تصبح مجاهداً في سبيل الله – إن شاء الله-.
لاحظوا كيف وجهت ابنها بدون ما تثيره للعناد بتحدي استقلاليته، وجهته إلى مفاهيم إسلامية عظيمة وغرستها في نفسه.

الأسلوب الثاني: تطيعني غصب:
فعندما يقول الأب مثلاً: أنا أبوك ولازم تسمع الكلام، فكأن الأب يقول: أنا لا أستطيع أن أقنعك وليس عندي إلا القوة حتى يمشي كلامي، أتمنى أن يتخيل هذا الأب وهو يسمع مديره في العمل يقول له أمام الموظفين: أنا مديرك ولازم تنفذ ما أقول لك، فكيف سيكون رد الفعل؟!

الأسلوب الثالث من الأساليب الخاطئة: الأب الراشي والابن المرتشي:
الصورة الأولى، كقول أحد الوالدين لابنه إذا حفظت جدول الضرب فسأعطيك كذا وكذا يعني ليس متأكداً أن الابن يقدر يحفظ، فالبديل المناسب أن نعترف له أن في جدول الضرب صعوبة ونؤكد على ثقتنا في قدرته على الحفظ كأن تقول الأم مثلاً: الله يعينك، أنا أعرف أن جدول الضرب صعب، وفي نفس الوقت متأكدة أنك ستحفظه، ولا مانع من مكافأته بحافز جيد إذا حفظ ولكن بدون وعد والتزام مسبق، ومن صور هذا الأسلوب:
الصورة الثانية: أن يقول أحد الوالدين لابنهما إذا لم تضرب إخوانك سأعطيك كذا، من ناحية كأننا نقول: نتوق أنك تضرب إخوانك، وهذا يجعله يستمر لأننا رسمنا له صورة عن نفسه.
ومن ناحية أخرى يبدأ الولد يتعمد المخالفة حتى يحصل على ما يريد بطريقة الرشوة، وهذه مشكلة أخرى..

الأسلوب الرابع من أساليب السيطرة الخاطئة: طريقة (أوعدك) :
يجب ألاّ يعطي الآباء وعوداً ولا يأخذوا وعوداً من أبنائهم بقدر الإمكان؛ لأن علاقتنا مع أبنائنا يجب أن تبنى على الثقة، فإذا اهتزت ثقة أحد الطرفين بالآخر أصبحت الوعود والمواثيق ضرورية مثل نبي الله يعقوب عندما فقد الثقة بأبنائه (قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ) (يوسف: من الآية64)، فطلب تأكيد أقوالهم بالأيمان المغلظة والمواثيق (قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ) (يوسف:66)، وهذا توكيد آخر عندما يلزم أحد الأبوين نفسه بأن يعد ويؤكد ما يقول فإنه بذلك يعترف أن كلامه غير الموعود به غير جدير بالثقة، كأنما يقول لأبنائه إذا لم أعدكم فلا تصدقوني، فعندما يعد الأب ابنه ولم يتيسر ذلك لظروف خارجة عن إرادته يشعر الأطفال بأننا نضحك عليهم، ويقتنعون بأن آباءهم ليسوا محل ثقة، والشكوى لا تتوقف، أنت قلت كذا، أنت وعدتني، ويجلس يكررها بطريقة تجعل الأب يندم أنه وعده ولا يستطيع أن يرد رداً مقنعاً، وتصبح شخصيته ضعيفة أمام أبنائه.

الأسلوب الخامس: من أسوأ أساليب السيطرة على الأبناء الصغار وأخطرها أثراً على نفسية الطفل: أسلوب التلاعب بالثوابت النفسية لدى الطفل، كأن تقول الأم لابنها إذا أخطأ: (ما أحبك) ، أو تجمع هذا الأسلوب السيئ مع أسلوب التهديد، فتقول بأسلوب التهديد: إذا فعلت كذا فأنا لا أحبك، فهذا أسلوب سيئ للغاية؛ لأن الأساس الذي يستمد منه الطفل قوته وثقته بنفسه وطمأنينته هو حب أمه له، فإذا هدد بهذا الحب ينشأ ضعيفاً غير واثق بحب أحد له، متعطشاً دائماً للمزيد من الطمأنينة لحب الآخرين له، وللأسف الشديد هذا القلق وعدم الطمأنينة والحاجة للحب تخزن في العقل ولا يمسحها سرعة تغيير الأم لموقفها بابتسامة حنونة بعد استسلام طفلها لهذا التهديد الغريب، أبداً لا يمسحها، ثم إن الأم يجب عليها أن تصدق حتى مع الطفل فإن هذه الكلمة كذب، فهي في الحقيقة ستظل تحبه وإن فعل ما لا تريد، وإنما هي لا تحب الفعل بذاته وليس صاحبه، لا يستهان بالكذب مع الصغير، أخرج الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من قال لصبي: تعال هاك أعطك ولم يعطه كتبت كذبة"، وللأسف مثل هذه الأم تهدي الأمة أجيالاً ضعيفة من الداخل بسوء استغلال هذه لعاطفة ابنها وحاجته لحبها.

الأسلوب السادس: (كلمة عيب) :
يقول الدكتور عبد الكريم بكار في شريط (هكذا تكون الأمهات): "إن كلمة عيب تنمي عند الابن الشعور بالرقابة الاجتماعية فيفهم أنه من الخطأ أن يراك أحد تفعل هذا الأمر وهذا يعني لا مشكلة لو لم يرك أحد.." انتهى كلامه، يعني تربية يومية على الرياء، وهذا سيئ جداً، والبديل الصحيح تنمية الشعور لمراقبة الله بدلاً عن مراقبة الناس – كما ذكرت صاحبة الرسالة التي ذكرناها في (رسالة أم) مقال سابق – وكيف قال ابنها إنها تجلس معه دائماً في الصباح وتنصحه وتذكره بأنه إن لم يكن يرى الله فإن الله يراه وتوصيه بالإخلاص وصدق النية وتغرس في ابنها بذلك سر الصلاح في الدنيا وسر الفلاح في الآخرة، هذا ما نريده تماماً تنمية الرقابة الذاتية في نفس الطفل بتنمية شعوره بمراقبة الله له.

الأسلوب السابع من أساليب السيطرة الخاطئة: أسلوب الغضب والزعل:
يقول الدكتور قتيبة الجلبي في كتابه القيّم (100 سؤال) في مشاكل الأطفال: إن استعمال الغضب والزعل كوسيلة للسيطرة على تصرفات الطفل الخاطئة هي من أكبر وأكثر الأخطاء التربوية شيوعاً، فترى الأم تظل طول النهار عابسة الوجه غاضبة على طفلها وقد تصرخ به بين الحين والحين، وكأن هذا الزعل هو بالذات وسيلة للسيطرة على الطفل وتعليمه الانضباط.

ولو أن شرطياً لا يحق له استعمال أياً من سلطاته وكل ما يبديه هو العبوس في وجه المخالفين والصراخ هنا وهناك، هل تعتقد أن هناك من سيطيعه؟! أبداً ليس الخطأ إظهار زعل الوالدين أحياناً حتى يعرف المشاعر التي سببها، ولكن إظهار الغضب دائماً هو الخطأ. انتهى كلامه.
إضافة إلى ما في ذلك من استنزاف – أي الغضب والانفعال – إضافة إلى ما فيه من استنزاف لأعصاب الوالدين وإرهاق لنفسيتهم وإضعاف تدريجي لقيمة غضبهم في أعين صغارهم، كل هذا يجتمع ليجعلنا نبتعد عن هذا الأسلوب.

الطرق السليمة للسيطرة على الأبناء (العلاج) :
الخطوة الأولى: نَقْل العلاقة من الصراع إلى الوفاق، الوالدان يعيشون مع أبنائهم فيما يشبه حالة حرب على الواجبات المدرسية، على وجبات الطعام، على الحفاظ على أثاث المنزل، على الشجار بين الإخوان.. وهكذا، والحقيقة الأطفال لديهم طاقة ووقت لمقاومة ضغط الوالدين أكثر مما لدى الآباء، ولا يمكن كسب هذا الصراع إلا إذا كسبنا الأطفال أنفسهم، هل يمكن فعلاً أن نكسب الأطفال؟!!
نعم يمكن أن نكسب أطفالنا من خلال بعض التعديلات على طريقتنا معهم ستكون متعبة في البداية فقط ثم ستكون متعة في حد ذاتها إن شاء الله:
أولاً: الاستماع بحساسية: الأب أو الأم الذي يستمع باهتمام لابنه ينقل له المعنى التالي (أنت أفكارك قيمة أنت محترم وتستحق اهتمامي) وهذا يعطيه رضا وهدوءاً داخلياً وثقة جيدة في نفسه وبمحبة أهله وتقديرهم له، حب الاستماع من الابن يشعره بقبولنا له على طبيعته واحترامنا لشخصيته وتفهمنا لحاجاته.
ثانياً: الامتناع عن إلقاء القنابل والمتفجرات عليه.. كيف؟!!
1 – أي الامتناع عن الإهانات.. يا قليل الأدب، يا قليل الحياء، أنت ما تفهم، ولا يمكن أن نتوقع من الطفل احترام نفسه والآخرين إذا كان والداه يهينانه بهذه الطريقة.
2 – التنبؤات والتوقعات السلبية مثل: أنت راسب نهاية هذه السنة.
3 – التهديد: إذا ما سمعت الكلام تجلس في البيت ونذهب ونتركك وحدك أو خلّك تضايق أختك تشوف وش أسوي لك!!
4 – الاتهامات: أكيد أنت الذي ضربت أخاك، أكيد أنت الذي كسرت الإضاءة، أو نتهمه بأنه ما يسمع الكلام.
5 – الدعاء على الابن: ونحذر من الدعاء عليه، مثل: الله يأخذك أو الله يعلك، وهذه خطيرة جداً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم ولا تدعوا على خدمكم ولا تدعوا على أموالكم لا توافق من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم".
ثالثاً: ذكر الوالدين مشاعرهم وأفكارهم بدون هجوم: يحرص الوالدان على ذكر مشاعرهم وأفكارهم بدون هجوم على شخصية طفلهم وكرامته، كما يحرصون على إبداء رأيهم سواء مدح أو ذم للسلوك نفسه وليس الطفل وهذا مهم جداً.
إن هذه العناصر الثلاثة السابقة، وهي: الاستماع، والامتناع عن إلقاء القنابل عليه، وذكر الوالدين مشاعرهم وأفكارهم بدون هجوم عليه، هذه العناصر تخلق جواً ودياً يشد الطفل أكثر لوالديه بسبب مواقفهم العادلة ومراعاتهم لمشاعره وظروفه ولباقتهم معه وهذا كله يجعلهم يكسبون الطفل تماماً ويملكون أقوى وسيلة للسيطرة عليه.
الاستماع، والامتناع عن إلقاء القنابل عليه، وذكر الوالدين مشاعرهم وأفكارهم بدون هجوم عليه، هذا كله يجعلهم يكسبون الطفل تماماً ويملكون أقوى وسيلة للسيطرة عليه..

انتهى هذا العنصر، ومع العنصر السادس بعنوان: (فن العقاب).

العنصر السادس: فن العقاب

ذكرنا في العنصر السابق وسائل السيطرة على الأبناء، والعقاب وسيلة مساعدة في السيطرة، وحديثنا عن العقاب هو العنصر السادس من هذه العناصر.

أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتعليق السوط في البيت وكأنه إشعار للأبناء بإمكانية العقوبة، إننا يجب أن نضبط انفعالاتنا عند العقوبة ثم نحسن اختيار العقوبة المناسبة، ومن أنواعها المعتادة: الحرمان من شيء محبوب، أو إظهار عدم استحسان السلوك، أيضاً من العقوبات: أن يترك يتحمل نتائج عمله بعد تنبيهه مسبقاً، مثل مشكلة التأخر في الاستيقاظ من النوم، ينبه مسبقاً ثم يترك يتحمل العقوبة في المدرسة، وهناك نوع مفيد جداً من العقاب لا يستخدمه كثير من الآباء، وهو الحجز المؤقت، كأن يطلب من الولد الجلوس على كرسي محدد في جانب الغرفة أو أن يقف في ركن من الغرفة بعض الوقت في مساحة صغيرة تُشعره أنها عقوبة، وتوضع ساعة منبهة مضبوطة على مدة انتهاء العقوبة وهي من خمس دقائق إلى عشر دقائق كافية إن شاء الله يطلب من الطفل التنفيذ فوراً بهدوء وحزم، وإذا رفض يأخذ بيده إلى هناك مع بيان السبب لهذه العقوبة باختصار، ولا يتحدث مع الطفل أثناءها أو ينظر إليه وإذا انتهت العقوبة اطلبي من طفلك المعاقب أن يشرح لك أسباب العقوبة حتى تتأكدي من فهمه لسبب العقوبة، تطبق هذه العقوبة على جميع الأبناء من عمر سنتين حتى 12 سنة، إذا كرر الهرب من مكان العقوبة يتحمل عندها الحجز في غرفة تغلق عليه مع مراعاة أن الحجز في غرفة لا يستخدم إلا بقدر الضرورة الملحة ولفترة محدودة، والأصل الحجز في زاوية أو على كرسي في غرفة مفتوحة.

ومن طرق العقاب الشائعة (الضرب)، فأما الضرب الخفيف المنضبط عند الحاجة فنعم، وأما عدا ذلك فهو يضر أكثر مما ينفع، على أيّة حال يستخدم الضرب كورقة أخيرة، ويجب على الأب الحذر من التعامل معه لأنه لو استخدمها ولم تُجْدِ ماذا سيفعل؟! ستسقط هيبته وهيبة العقوبات وسيستهين الأبناء به مهما اشتد ولو في قرارة أنفسهم، ومما يجب مراعاته عند الضرب تجنب الوجه، وألا يضرب الأب وهو غضبان وهذا مهم جداً، وليكن الأب قدوة لأبنائه في كيفية تعامله مع غضبه بالاقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من وضوء واستعاذة وتغيير وضعه جلوساً أو قياماً أو اضطجاعاً، ثم يتصرف مع أبنائه بما يراه صواباً.
من الأخطاء الشائعة في الضرب: أن تهدد الأم ابنها بأن أباه سيعاقبه عندما يعود إلى البيت وهذا يجعل الأب شرطياً مهمته العقاب لا صديق حميم، بل إن الوالد قد يشعر بالحرج من زوجته يعني يعاقب على شيء لم يشهده، وإذا كان الأب متعباً قد يترك الابن دون عقاب فنكون هددنا ولم ننفذ، وعموماً الضرب له ضوابط ومحاذير كثيرة وطالما هناك وسائل إيجابية فعالة فيحسن ترك هذا الأسلوب بقدر الإمكان.
لا تسمح لأية تصرفات من أبنائك أن تستفزك إلى درجة الضرب حتى ولو كانت مشاجرات ومزعجة ومقلقة، أتوقع أن يتغير الكثير من نظرة الآباء والأمهات للشجارات ويغيروا من طريقة تعاملهم معها بعد قراءتهم بمشيئة الله تعالى للعنصر التالي من عناصر الموضوع وهو (دعونا نتشاجر من فضلكم)..

العنصر السابع: دعونا نتشاجر من فضلكم
المشاجرات رغم إزعاجها وقلق الوالدين منها ومن تأثيرها على شخصيات أبنائهم وعلاقتهم ببعض تظل هذه المشاجرات أمر طبيعي وفطري مفيد لهم يجربون خلاله مشاعرهم ومشاعر الآخرين من خيبة الأمل واختلاف وغضب وانزعاج ، متى يغضبون ؟! متى يغضب الآخرين ؟
يتعلمون من مشاجراتهم كيف يدافعون عن أنفسهم و حقوقهم وهذا مهم ، بل كيف يدافعون عن بعضهم البعض ، كما يكتشفون خلالها طرق حل هذه الخلاف ، هذه الأشياء التي ذكرناها هي الأقرب لحياتهم القادمة .

بل قد تستغرب لو قلت أنها تقوي العلاقة بينهم فقط لو أعطيناهم فرصة الخلاف وفرصة حل الخلاف ، إن دورنا المراقبة الهادئة من بعيد هذه حياتهم وهذه علاقتهم فيها حلو وفيها مُرّ .

أنت شخصياً علاقتك مع الزوج فيها حلو وفيها مر وفي نفس الوقت ترفض تدخل أي إنسان في كل مشكلة أو خلاف عادي بينك وبين زوجتك حتى لو كان هذا المتدخل أقرب الناس ، كذلك الوالدين ينبغي ألاّ يتدخلا في خلافات الأبناء إلا عند توقع أضرار حقيقية نزف أو كسر وهذا نادر جداً ، أما غير ذلك من الشجارات المعتادة إن رافقها صراخ عالي أو بكاء فعليك بالتالي :
الاحتفاظ بهدوءك الكامل ، فإذا أزعجك الصراخ أغلق الباب عليهم أو اطلب منهم أن يختاروا مكان آخر ليحلوا مشاكلهم فيه لأن أصواتهم تزعج قل لهم ذلك ولا تتدخل نهائياً فإن بدؤوا بالشكوى أو عرض خلافهم فاستمع لمدة دقيقتين لكل واحد منهم وقل في الدقيقة الأخيرة أنتم تعرفون إني أقدر أحل المشكلة وأنا أعرف إنكم تقدرون تحلون المشكلة وتتجاوزن عنها و لذلك لن أتدخل أنتم إخوان وقل هذا حتى للصغار ،
بعض الخلافات بالذات بين الصغار تكون للفت انتباهك وحتى منهم أكبر قليلاً ليعرف كل واحد منهم من ستختارين أن تكوني في صفه ولذلك لا تتدخل إلا إذا استمر الخصام أكثر من ثلاثة أيام دع الأبناء يكتشفون حلول لأنفسهم ، ونقدر أن في داخل الأم و الأب غريزة لدفع الأذى عن أولادهم ورفع الظلم عنهم ، احتفظ بهذه الغريزة للمواقف الحقيقة في الحياة وتحكم بها تماماً بين أبناءك أثناء مشاكلهم المعتادة فلا تضعف أمام بكاء الطفل المهموم إذا جاء يتحدث عما في نفسه استمع إليه باهتمام كما تستمع لغيره باهتمام بدون أن تظهر موقفك من القضية أو تقترح شئ .

إذاً في موضوع شجارات الأبناء اخفضوا قليلاً من السلطة المركزية في البيت أعطوا الفرصة لشخصيات أبناءكم لتنمو بشكل طبيعي ، أما الأباء والأمهات الذين نجحوا من خلال سياسة القبضة الحديدية إلى تحويل بيوتهم إلى فنادق ليس لأحد شغل بالثاني ، نقول لهم الخدمة التاريخية التي ممكن تقدمها لأبنائك ليست هذه . الخدمة التاريخية هي إشاعة جو العدالة و إشاعة جو المحبة وهما العلاج العميق للأسرة .

العنصر الثامن: هل يشعر أبناؤنا بالعدل؟

يكون الحديث حول ثلاثة أركان رئيسية، هي:
1- المساواة.
2- عدم المقارنة.
3- سن القوانين والأعراف الأسرية.

أولاً: المساواة:
وأقصد بها المساواة الدقيقة، وبالذات على وجبة الطعام لأنها مكان الاجتماع، مساواة فيما يخص الطعام، ومساواة في توزيع الكلام، مساواة في توزيع الانتباه والاهتمام، مساواة في توزيع النظرات والضحك والمداعبات كل هذا بقدر الإمكان، يحرص الأب أن ينمي عدالة في هذا الجانب، كذلك المساواة في الهدايا والأعطيات والمساواة باتخاذ القرارات، لذا يجب استشارة الجميع بدون استثناء وأخذ القرارات بالأغلبية فيما يخصهم، وهناك جانب مهم جداً وهو المساواة في الإصغاء والاستماع: تعرفون الأبناء يتفاوتون في الجرأة والخجل وليس كل واحد منهم يبادر بالحديث ويستأثر بأذن والديه واهتمامه ومنهم من تزيد متعة الاستماع إليه ومنهم من تقل، لضبط هذا الجانب الصعب ولتلبية حاجة الأبناء إلى الاستماع إليهم والاهتمام بهم والتعبير عن أفكارهم، لتلبية كل ذلك بمساواة بين الأبناء يحسن تخصيص وقت للأحاديث الخاصة لكل ابن ربع ساعة أقل أو أكثر ما بين فترة وأخرى كل ثلاثة أيام أو كل نهاية أسبوع مثلاً.
كلما زادت المدة، مدة هذا اللقاء، لقاء الأحاديث الخاصة وتقاربت أيامها كلما كان ذلك أفضل ويمكن أن تحتوي هذه الربع ساعة على أية أحاديث عادية أو أسرار من الطرفين أو لعبة أو مشكلة عند أحدهما ولا يستثنى من هذه الطريقة الصغار.

هذه الطريقة في الاستماع على جانب كبير من الأهمية، من الضروري أن يشعر الأبناء بأن هناك وقتاً مخصصاً لكل منهم تحترم خصوصيته ترفض فيها أي تدخلات ويعتذر عن أي مقاطعات، بعض الناس حتى الهاتف ما يرد عليه عندما تبدأ – أيها الأب – وتبدئين – أيتها الأم – بتنفيذ هذه الفكرة وتحرصين عليها ستجدون الثمار واضحة على نفسية أبنائكم بإذن الله وعلى علاقتكم بهم وفهمكم لهم وستقل الخلافات والمشاجرات التي تستجدي اهتمامكم حتى ثرثرة الأبناء وكثرة كلامهم للفت النظر وجلب الاهتمام ستقل أيضاً.

وإضافة إلى كل هذا ستستمتعون بالنظر إلى ثقة أبنائكم بأنفسكم تنمو وتقوى وهناك المساواة بالمشاركة باللعب والمساواة في كلمات المحبة (يا حبيبي – يا عمري) المساواة في حركات المحبة كالضم والتقبيل والتربيت على الكتف ملاعبة الشعر.

ثانياً: عدم المقارنة:
يقول الدكتور قتيبة الجلبي: "المقارنة هي بؤرة وخلاصة المشكلة التي يدور حولها التنافس الأخوي فالإخوة فيما بينهم في حالة مقارنة مستمرة كلما يملك أحدهم من صفات عقلية أو عضلية أو شكلية كلها تقارن بنفس المقادير منها عند أخيه أو أخته وهنا يبدأ دور الوالدين، أهم ما يمكن عمله هو الحرص التام على عدم وضع أيّة مقارنة بين الأبناء" انتهى كلامه.
إذاً أهم ثلاث مناطق يجب عدم الاقتراب منها وهي:
1- المقارنة في الذكاء والقدرات العقلية ومن صورها: انظروا إلى أخيكم فلان دائماً يحصل على (ممتاز) تتبرمج فوراً على النحو التالي أمي تظن أن أخانا فلاناً ذكي ونحن أي كلام!
2- المقارنة بالقوة العضلية والمهارة الحركية بين الأولاد مثل لا تتشاجرون مع فلان هو أقوى منكم، أو محادثة السمين والبدين بالنصيحة التالية: لماذا لا تلعب رياضة وتخف وزنك حتى تصبح مثل أخيك فلان.
3- المقارنة في الجمال بين البنات، ومن صورها مجرد الثناء على جمال فتاة بحضور أخت لها وما يدور في ذهن أختها كالتالي: بما أنهم مدحوا شكل أختي إذاً شكلي .........
الجوانب الثلاثة كلها تمس شعوره بقبول الآخرين له ولعيوبه وبالتالي قبوله لنفسه مع التنبيه إلى أن مشكلة المقارنة لن تنتهي حتى بعد ما تعملوا هذا كله لأن الأبناء أنفسهم يقارنون حالهم بإخوانهم كما أن مقارنات الأقارب والمعارف وملاحظاتهم العبقرية حول الأبناء مستمرة! لكن المشكلة ستخف كثيراً إذ إن الابن يمكن أن يتقبل نفسه بنقائصه إذا تقبله الآخرون وأهمهم والداه، وهذا ما نشعره به بهذه الإجراءات، إذاً لإشاعة جو العدالة نشعر أبناءنا بالمساواة العملية وعدم المقارنة.

وأيضاً وهو الركن الثالث: سن القوانين والأعراف المنزلية:
يسن الوالدان في البيت مجموعة من القوانين والأعراف ثم يتم عرضها على الأولاد لأخذ آرائهم ومناقشتها في جو عائلي مرح والاتفاق معهم على العقوبات المقررة على المخالفات الكبيرة ولا مانع من تعليقها في لوحة أخبار البيت كما سيأتي بيان هذه اللوحة تعليقها للتذكير فلا يخالف الأبناء الاتفاق ولا يتجاوز الآباء حد العقاب عند المخالفة.
من الأعراف التي يجب إعلانها بوضوح:
1- لكل ابن حدودٌ تعتبر ملكه الطبيعي ولا يحمد لإخوته أن يتعدوا على هذه المنطقة بدون رضاه فغرفة الطفل مثلاً تعتبر حدوده الشخصية ويُعَلَّم الجميع الآداب الشرعية للاستئذان للتقيد بها عند دخول غرف الآخرين وإن كانوا أكثر من طفل في غرفة واحدة توضع خطوط وهمية فيما بينهم لتكون لكل واحد منهم منطقته الخاصة.
2- يتولى الأبناء حل خلافاتهم بأنفسهم ويمنع إزعاج الوالدين بها مهما كانت الأسباب.
3- يلتزم الجميع بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم "لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث".
4- لا يجوز قطع السلام بين الإخوة المتخاصمين مهما كان خلافهما.
5- يحق للوالدين مكافأة أسبق الأبناء إلى حل خصوماته مع إخوانه.
6- لا يحق لأي فرد من أفراد الأسرة سواء من الآباء أو الأبناء التخلف عن وجبة الغداء بدون عذر تقبله الأغلبية.
هذه أمثلة لما يمكن أن يسن من الأعراف والقوانين المنزلية، كل هذا كان لإشاعة جو العدالة من خلال المساواة وعدم المقارنة وسن القوانين.

العنصر التاسع: كيف تضاعف محبة أبنائك لبعضهم؟

أولاً: التهادي المستمر:
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "تهادوا تحابوا"، اشتراك الأم مثلاً مع الأبناء لشراء هدية للأب، أو العكس، الاشتراك مع الأبناء لشراء هدية لأحدهم سواء اشتراك مالي واشتراك ذهني في اختيار الهدية التي سيفاجأ بها هذا الأخ يقول الأب مثلاً تعالوا يا أولاد نريد القيام بمؤامرة على أخيكم، فلان أخوكم له شهر كامل لم يتأخر عن صلاة الفجر، ما رأيكم ما الهدية اللي نفرحه بها من يغلفها؟ أين نضعها؟ نكتب معها رسالة أو لا؟ من يكتبها؟ متى نقدمها؟ وهكذا.. يحاول أن يشرك الجميع.
ملاحظة:
الأبناء يحبون ألفاظاً مثل مؤامرة، وعصابة، وخطة، وموعد تنفيذ الجريمة والضحية، في المثال السابق الضحية هو الشخص المهدى إليه، وطبعاً ليس في هذه الكلمات أي خطورة بإذن الله.

ثانياً: تعليق لوحة تسمى لوحة أخبار البيت أو أي تسمية أخرى:
تقسم إلى مساحات متساوية لكل ابن مساحة خاصة يكتب فيها ما يشاء على ورقة ويثبتها في مساحته، ويمكن أيضاً أن يكتب فيها الوالدان أسئلة مسابقة أو كلمات شكر على سلوك يرغبان في تثبيته في المنزل، ولا أرى إدخال الأمور المدرسية فيها تجنباً لإثارة المقارنات في نفوس ا لأبناء إلا أن يضع أحدهم شيئاً من ذلك في زاويته بنفسه فذلك شأنه.
ستكون هذه الصحيفة مصدر متعة غير طبيعية وخصوصاً حينما تحوي أخبار الصغار وطرائفهم ورسائل الكبار المتبادلة في الشجارات وطبعاً ستكون ممتعة للغاية يكفي لإحيائها وتحريك الجميع لملء مساحاتهم وتجديدها باستمرار أن يشاهد الأب والأم ما فيها يومياً ويتابعان جديدها ويسألان عنه ويقرآن تقارير أبنائهم عن أنفسهم فتكشف للأبناء وللوالدين الكثير من جوانب شخصياتهم وأيضاً تخفف من انفعالات التعبير عنها وتنمي المهارات الكتابية وتدرب الجميع على القراءة بطريقة مسلية وتعطي فرصة للكثير من إبداعات للظهور مثل الخط والرسم والشعر وغيرها، ستكون هذه اللوحة بإذن الله وسيلة فهم للآخرين تقوي الروابط الأسرية وتساعد على التعبير عن النفس.

ثالثاً: تعويد الأبناء على الاعتذار فيما بينهم:
ولا يكون ذلك بالتوجيه المباشر من قولنا كالعادة اعتذر من أخيك، بل لا بد من التدريب العملي على الاعتذار فيبدأ الوالدان بنفسيهما فيعتذران لبعضهما إن أخطأ أحدهما على صاحبه فيما يمكن اطلاع الأبناء عليه ويعتذران من أبنائهما إن أخطأ أحدهما على ابنه، نعم أيها الإخوة فالحق لا يعرف كبيراً، هذه هي الطريقة المنطقية لإكساب أبنائنا هذا السلوك الحميد وهو أن نبدأ بأنفسنا فنربيها على ما نتمناه في أبنائنا.

رابعاً: هناك طريقة لزيادة المحبة بين الإخوة وهي: لعبة أنا أعرف أسرتي:
يجمع الأبناء ثم يطلب منهم أن يكتب كل واحد ميزات وإيجابيات إخوانه جميعاً بدون ذكر سلبيات ويمكن مساعدة الصغار في الكتابة، يتم إعداد نموذج جميل خاص بهذه اللعبة تقسم فيه الورقة إلى حقول وكل حقل يكتب في أعلاه اسم أحد الأبناء بخط جميل ويعطى الأبناء فرصة كافية للتفكير جيداً لكتابة الميزات والإيجابيات واستحضار المواقف التي تشهد لهذه الصفة تعلق الإيجابيات في صحيفة أخبار البيت فوائد هذه اللعبة كثيرة جداً وآثارها أعمق مما تتخيلون سواء في تنمية سلوكياته الطيبة وتثبيتها أو في انتباه الابن لميزات إخوانه أو بمعرفته لنفسه من خلال آراء الآخرين كما تزيد معرفتكم أنتم بأبنائكم وبالجوانب التي يهتمون بها في الآخرين.

هذه اللعبة تزيد - إن شاء الله – من الألفة والمحبة بين الأبناء وتحتاجها الأسرة على فترات متباعدة نسبياً ويعلن غرضها وهو معرفة الإيجابيات الجديدة التي اكتشفها الأبناء في إخوانهم أو التي تطبّعوا بها حديثاً، أيضاً هذه اللعبة ستشعر كل ابن بتفهم الآخرين له وتقديرهم لميزاته وباستقلال شخصيته وبقبول مَن حوله لها ونظرتهم الإيجابية ومتابعتهم لتحسين نفسه وكل هذا يحتاجه الأبناء.
Sweet Dream
عين سوريا
فيروز
مشاركات: 132
اشترك في: أغسطس 15, 2024, 12:04 pm

Re: كيف تضاعف محبة أبنائك لبعضهم البعض - من أجل أبنائنا

مشاركة بواسطة فيروز »

Sweet Dream كتب: فبراير 11, 2024, 3:39 pm
كيف تضاعف محبة أبنائك لبعضهم البعض
موضوع طويل لكن يستحق القراءة الى النهاية(من أجل أبنائنا)


إلى كل أب وأم يتمنى أن يحدث تغييراً حقيقياً على سلوك أولاده..
إلى كل يد ارتفعت تدعو خالقها، وترجو مولاها، بصلاح الذرية..
أدعوهم جميعاً لمشاركتي هذه الحلقات التربوية؛ من أجل أبنائنا، نهدف بها اكتساب أساليب عملية، تقوي علاقتنا بأبنائنا، وتضاعف تأثيرنا الإيجابي عليهم، وتقلل همومنا، وعصبيتنا معهم، وتزيد استمتاعنا بتربيتهم... تسع عناصر رئيسية سنمر بها بإذن الله تعالى، في مقالات متعاقبة،

نبدأها "برسالة أم" ثم العنصر الثاني "لماذا نفشل في الحوار مع أبنائنا؟" ثم الثالث "ابنك.. هل يكذب؟" والعنصر الرابع بعنوان "اللعب ثم اللعب ثم اللعب"، في العنصر الخامس سنجيب على علامة استفهام يخفيها أصحابها تقول في حيرة: "لماذا لا أسيطر على أبنائي تماماً؟"، ثم نتحدث بإذن الله عن "فن العقاب" في العنصر السادس، وفي العنصر السابع سنجد أخوين متشاجرين يلتفتان إلينا ويقولان: "دعونا نتشاجر من فضلكم" ثم يستأنفا شجارهما، العنصر الثامن بعنوان "هل يشعر أبناؤك بالعدل؟" نرجو ذلك.. أما العنصر التاسع والأخير من هذا اللقاء فهو:

"كيف تضاعف محبة أبنائك لبعضهم البعض"..
هذه العناصر التي سنتناولها بمشيئة الله في المقالات التالية.. تدور مجمل أفكارنا حول السؤال التالي:
كيف نشعر أبناءنا بالكلمات الثلاث:
1- التفهم. 2- الاحترام. 3- القبول.

1- تفهمنا "لحاجات" الابناء. 2- احترامنا "لاستقلاليته".
3- قبولنا له "بعيوبه" وأخطائه مع العمل على تعديلها، وإشعارنا له بهذا التفهم والاحترام والقبول، وهذا هو المهم..


إذن: تفهم – احترام – قبول.
كلماتي موجهة للآباء، وللأمهات أكثر.. حينما أقول الأبناء أو الأولاد أقصد البنين والبنات، وحينما أقول الآباء أو وجهت خطابي للأمهات فالحديث يشمل الاثنين على حدٍ سواء.

العنصر الأول: رسالة أم
اسمحوا لي أن أترك مكاني لأم فاضلة، وفّقها الله في تربية ابنٍ لها، فكان لها الفضل بعد الله تعالى، فيما تميز به من خلق رفيع، وحب للقراءة والاضطلاع إلى جانب تميزه الدراسي، نسأل الله تعالى أن يبارك لها فيه وفي إخوته، وأن يجمعهم في جنته.
كتبت هذه الأم بعد إلحاح – طريقتها في تربية ابنها.. أختار لكم من رسالتها مايلي:
1- أدعو لأبنائي بالهداية والصلاح، كما علمنا الله تعالى بقوله: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً) (الفرقان:74).
2- أركز على إقامة الصلاة وتعظيمها في نفوسهم.
3- أفرغ وقتي ما استطعت لأبنائي.
4- أربط أبنائي بالله في جميع الأحوال.
5- أحفظهم كتاب الله وأحفزهم لذلك.
6- أذكرهم بشكر النعم التي أنعمها الله عليهم.
7- أبعدهم عن النعومة والترف بحرمانهم أحياناً من بعض المحبوبات.
8- أشجعهم على التعاون فيما يستطيعون من أعمال المنزل، وأن هذا مما يؤجرون عليه.
9- أعامل كل ابن من أبنائي بما يناسبه.
10- أذكرهم بمصاحبة الأخيار.
11- أشكرهم عند عمل المعروف.
12- أعاتبهم عند التقصير.
13- أتغاضى عن بعض الزلات.

وتقول هذه الأم الفاضلة: أشارك ابني في طلب العلم منذ صغره بما يناسبه في المختصرات وغيرها حتى أصبح في الحادية عشرة من عمره يقرأ معي في كتاب الشرح الممتع على زاد المستقنع للشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى؛ فأقرأ أنا المتن بصوت مسموع، ثم يقرأ هو الشرح، ونخطط تحت العبارات التي نعتقد أنها مهمة.. كما نستمع لشروح الأشرطة العلمية مثلاً: شرح بلوغ المرام للشيخ/ سلمان العودة حفظه الله، أجلس مع ابني وأكتب ويكتب هو كذلك النقاط المهمة، ونراجعها غداً". انتهى كلامها.

لو تلاحظ معي أخي القارئ وأختي القارئة.. أن كثيراً من الآباء يتعاملون مع أبنائهم بمبدأ "أن أعلمك" بخلاف هذه الأم التي تتعامل بمبدأ "أنا أتعلم معك"، وما أحلى العلم إذا كان سيجمع هذا الابن بأحب إنسانة عنده.

صورة رفيعة لمبدأ المشاركة، وهي الشيء الذي يفتقده كثير من الأبناء لا مشاركة في طلب علم ولا حتى في اللعب، وهي تغرس في نفس ابنها بصورة عملية، عدم حصر العلم بالمناهج الدراسية العقيمة اللي ينساها الطالب أول ما يخلص الاختبار، بل تنطلق مع ابنها إلى المعرفة حيث كانت.
وهناك شيء نسيته هذه الأم، وذكره ابنها لي.. يقول.. تجلس معي دائماً في الصباح إذا خلا المكان، وتنصحني وتذكرني بأني إن لم أكن أرى الله، فإنه يراني، وتوصيني بالإخلاص وصدق النية، وتذكرني كيف صار النووي وابن تيمية، وابن باز وغيرهم علماء، وتذكرني بمواقفهم العظيمة وهم صغار.. وإذا فعلت شيئاً غير صحيح، كانشغالي بشيء لا نفع فيه، أو تأخري قبل وبعد الصلاة، ذكرتني بطموحي وهو: أن أكون عالماً أو مجاهداً يخدم دينه، وتقول لي: هل العالِم يفعل هكذا؟ هل المجاهد يفعل هكذا؟ أتريد أن تخدم الأمة وأنت لا تحافظ على الصلاة؟ لكي أقوم على الفور عندما أتذكر ما خلقت له. انتهى كلامه.
أسأل الله العظيم أن يكثر من أمثال هذه الأم وابنتها، وأن يعيننا على الانتفاع بكلماتها.. والاستفادة منها.


العنصر الثاني: لماذا نفشل في الحوار مع أبنائنا؟
قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: "كفى بالمر إثماً أن يضيع من يعول".
وقال ابن القيم الجوزية في كتابه (تحفة المودود بأحكام المولود) – ولاحظ ما يقول -: "وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قِبَل الآباء وإهمالهم لهم".
أما أبو حامد الغزالي فيقول: "الأبناء جواهر". ونقول له: صدقت – الأبناء جواهر – ولكن يا أبا حامد، كثير من الآباء – مع الأسف – حدادون مع هذه الجواهر.
أستغرب ممن يقول بكل ثقة: أولادي هم أغلى الناس، ثم يخبئ الكلام المهذب، والأسلوب الظريف ليقدمه للغرباء، ولا يكاد يقدم شيئاً منه لأولاده؛ مع أنهم أولى الناس بالكلمة اللطيفة، والتعامل اللبق.

ولعل هؤلاء شغلتهم متاعب التربية وروتينها عن حلاوتها ولذتها، وهي متاعب وآلام لا بد منها، ولا ينبغي أن تؤثر على علاقتنا بهم رغم شدة هذه المتاعب وكثرتها.. إنها كآلام الولادة! هل رأيتم أمّاً تضرب ابنها المولود حديثاً؛ لأنه سبب آلامها؟!! مستحيل.. إنما تحتضنه.. راضية.. سعيدة.. قريرة العين رغم كل ما تسبب فيه من معاناة وآلام. وكذلك التربية يجب أن نفصل فيها بين متاعبنا بسبب الأطفال، وبين تعاملنا معهم. يجب أن نبحث عن المتعة في تربيتهم، ولا يمكن أن نصل لهذه المتعة إلا إذا نزلنا لمستواهم، هذا النزول لمستوى الأطفال: (ميزة) الأجداد والجدات، عند تعاملهم مع أحفادهم، ينزلون لمستوى الطفل، ويتحدثون معه عما يسعده، ويتعاملون معه بمبدأ أن الطفل هو صاحب الحق في الحياة، وأن طلباته مجابة ما دامت معقولة، ورغم أن الأطفال يحبون أجدادهم وجداتهم لا شك، إلا أنهم ينتظرون هذا التعامل اللطيف، والعلاقة الخاصة منا نحن، وتظل صورة الأب الشاب القوي التقي هي النموذج الذي يحبه الولد ويقتدي به ويتعلم منه كيف يقود البيت، ويرعى زوجته وأبناءه في المستقبل.

وتظل صورة الأم الشابة الأنيقة، ذات الدين والحياء والعفة، والذوق الرفيع هي النموذج الذي تتعلق به الفتاة وتقتدي به، وتتعلم منه كيف تكون زوجة وأماً، والفرصة لا تزال متاحة للجميع لتغيير العلاقة بالأبناء، تغييراً ينعكس إيجابياً عليكم وعليهم، سواء في التفاهم والحوار معهم، أو احترام شخصياتهم المستقلة، أو قبولنا لعيوبهم ونقائصهم. إذن: تفهم، واحترام، وقبول.

كل هذا ممكن أن نحققه إذا جعلنا علاقتنا بأبنائنا أفقية، كعلاقة الصديق بصديقه، يغلب عليها الحوار والتفاهم، أما إذا كانت العلاقة رأسية كعلاقة الرئيس بمرؤوسه، ويغلب عليها الأوامر والنواهي، لا شك سيكون تأثيرها الإيجابي قليل.
من علامات نجاحنا في التربية، نجاحنا في الحوار مع أبنائنا بطريقة ترضي الأب وابنه، ولكننا – للأسف – نرتكب أخطاء تجعلنا نفشل في الحوار مع الأبناء؛ وهذا هو مادة هذه المقالة (لماذا نفشل في الحوار مع أبنائنا؟)، وهو العنوان الثاني من العناوين التي تتناولها سلسلة حلقات (من أجل أبنائنا).
أهم أسباب الفشل في الحوار أسلوبان خاطئان:
الخطأ الأول: أسلوب (ما أريد أن أسمع شيئاً).
والخطأ الثاني: أسلوب (المحقق) أو (ضابط الشرطة).
الخطأ الأول: هو أننا نرسل عبارات (تسكيت)، وكذلك إشارات (تسكيت) معناها في النهاية (أنا ما أريد أن أسمع شيئاً منك يا ولدي). مثل العبارات التالية: (فكني)، (بعدين بعدين)، (أنا ماني فاضي لك)، (رح لأبيك)، (رح لأمك)، (خلاص خلاص)، بالإضافة إلى الحركات التي تحمل نفس المضمون، مثل: التشاغل بأي شيء آخر عن الابن أو عدم النظر إليه، وتلاحظ أن الولد يمد يده حتى يدير وجه أمه إلى جهته كأنه يقول: (أمي اسمعيني الله يخليك) أو يقوم بنفسه، ويجيء مقابل وجه أمه حتى تسمع منه.. هو الآن يذكرنا بحقه علينا، لكنه مستقبلاً لن يفعل، وسيفهم أن أمه ممكن تستمع بكل اهتمام لأي صديقة في الهاتف أو زائرة مهما كانت غريبة، بل حتى تستمع للجماد (التلفاز) ولكنها لا تستمع إليه كأن كل شيء مهم إلا هو.

لذلك عندما تنتهي من قراءة المقال، ويأتيك ولدك يعبر عن نفسه ومشاعره وأفكاره، اهتم كل الاهتمام بالذي يقوله، هذا الاستماع والاهتمام فيه إشعار منك له بتفهمه، واحترامه، وقبوله، وهي من احتياجاته الأساسية: التفهم، والاحترام، والقبول بالنسبة له، حديثه في تلك اللحظة أهم من كل ما يشغل بالك أياً كان، إذا كنت مشغولاً أيها الأب أو أيتها الأم.. أعطِ ابنك أو ابنتك موعداً صادقاً ومحدداً..

مثلاً تقول: أنا الآن مشغول، بعد ربع ساعة أستطيع أن أستمع لك جيداً، واهتم فعلاً بموعدك معه.. نريد أن نستبدل كلماتنا وإشاراتنا التي معناها (أنا ما أريد أن أسمع منك شيئاً) بكلمات وإشارات معناها (أنا أحبك وأحب أن أسمع لك وحاس بمشاعرك) وبالأخص إذا كان منزعجاً أو محبطاً ونفسيته متأثرة من خلال مجموعة من الحركات: الاحتضان، الاحتضان الجانبي، والاحتضان الجانبي حتى نتخيله.. حينما يكون أحد الوالدين مع أحد الأبناء بجانب بعضهم وقوفاً، كما في هيئة المأمومين في الصلاة، أو جلوساً يمد الأب أو الأم الذراع خلف ظهر الابن أو فوق أكتافه ويضع يده على الذراع أو الكتف الأخرى للابن ويلمه ويقربه إليه، بالإضافة إلى الاحتضان الجانبي التقبيل بكل أشكاله، والتربيت على الكتف، ومداعبة الرأس، ولمس الوجه، ومسك اليد ووضعها بين يدي الأم أو الأب... وهكذا.. لمّا ماتت رقية بنت الرسول – صلى الله عليه وسلم – جلست فاطمة – رضي الله عنهما – إلى جنب النبي – صلى الله عليه وسلم – وأخذت تبكي .. تبكي أختها.. فأخذ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يمسح الدموع عن عينيها بطرف ثوبه يواسيها مواساة حركية لطيفة، ودخل علي بن أبي طالب وفاطمة ومعهما الحسن والحسين – رضي الله عنهم أجمعين – على رسول الله – صلى الله عليه وسلم-، فأخذ الحسن والحسين فوضعهما في حجره، فقبلهما، واعتنق علياً بإحدى يديه، وفاطمة باليد الأخرى، فقبّل فاطمة وقبّل علياً – رضي الله عنهما -.

حتى الكبير يحتاج إلى لغة الحركات الدافئة، فما بالكم بالطفل الصغير؟! والشواهد على احتضانه وتقبيله للصغار كثيرة جداً.
كان حديثنا في هذه الحلقة علاجاً للخطأ الأول في الحوار مع الأطفال، وهو ما لخصناه في عبارة (ما أريد أن أسمع شيئاً) أما علاج الخطأ الثاني من أخطاء الحوار، وهو أسلوب (المحقق) فهو حديثنا - بمشيئة الله – في الحلقة القادمة.. والله يرعاكم.

لا نزال معكم في أسباب الفشل في الحوار مع الأبناء.. وبعد عرضنا للخطأ الأول وعلاجه في الحلقة السابقة.. ها نحن نلتقي على علاج الخطأ الثاني، وهو: (أسلوب المحقق) أو (ضابط الشرطة)..
ومع مشهد ننقله كما هو بكلماته العامية:

جاء خالد لوالده، وقال: (يبه اليوم طقني ولد في المدرسة).. ركّز أبو خالد النظر في ولده، وقال: (أنت متأكد إنك مش أنت اللي بديت عليه)؟! قال خالد: (لا والله.. أنا ما سويت له شي).. قال أبو خالد: (يعني معقولة كذا على طول يضربك؟!).. قال: (والله العظيم ما سويت له شي).. بدأ خالد يدافع عن نفسه، وندم لأنه تكلم مع أبيه.. لاحظوا كيف أغلق أبو خالد باب الحوار، لما تحول في نظر ابنه من صديق يلجأ إليه ويشكي له همه إلى محقق أو قاضٍ يملك الثواب والعقاب، بل قد يعد أباه محققاً ظالماً؛ لأنه يبحث عن اتهام للضحية، ويصر على اكتشاف البراءة للمعتدي.. الأب في مثل قصة أبي خالد كأنه ينظر للموضوع على أن ابنه يطلب منه شيئاً.. كأن يذهب للمدرسة ويشتكي مثلاً، ثم يستدرك الأب في نفسه، ويقول: قد يكون ابني هو المخطئ، وحتى يتأكد يستخدم هذا الأسلوب.. في الحقيقة الابن لا يريد شيئاً من هذا أبداً، إنه لا يريد أكثر من أن تستمع له باهتمام وتتفهم مشاعره فقط لا غير..
الولد يريد صديقاً يفهمه لا شرطياً يحميه، ولذلك يبحث الأبناء في سن المراهقة عن الصداقات خارج البيت، ويصبح الأب معزولاً عن ابنه في أخطر مراحل حياته، وفي تلك الساعة لن يعوض الأب فرصة الصداقة التي أضاعها بيده في أيام طفولة ابنه، فلا تضيعوها أنتم.

أسلوب المحقق يجبر الطفل أن يكون متهماً يأخذ موقف الدفاع عن النفس، وهذه الطريقة قد تؤدي إلى أضرار لا تتوقعونها.. خذ على سبيل المثال، قصة يوسف والسيف المكسور.. يوسف عمره سبع سنوات.. اشترى له والده لعبةً على شكل سيف جميل، فرح يوسف بالسيف، أخذه الحماس، وعاش جو الحرب وكأنه الآن أمام عدو، وبدأ يتبارز معه، وقع عدوه على الأرض، رفع السيف عليه وهوى به بشدة على السيراميك فانكسر السيف طبعاً، خاف يوسف من والده، فكّر في طريقة يخفي بها خطأه، جمع بقايا السيف وخَبَّأه تحت كنب المجلس.

جاء ضيف لأبي يوسف، وأثناء جلوسهم سقط الهاتف الجوال لأبي يوسف فانحنى لأخذه وانتبه عندها للسيف المكسور، عندما خرج الضيف، نادى ابنه (لاحظوا الآن سيأخذ الأب دور المحقق) صرخ قائلاً: (يوسف وين سيفك الجديد؟).. قال: (يمكن فوق..) قال: (إيه يمكن فوق.. ما أشوفك يعني تلعب به؟) قال الولد: (ما أدري وينه..). قال الأب: (ما تدري وينه؟ دوّر عليه أبغى أشوفه هالحين).. – ارتبك يوسف – ذهب قليلاً.. رجع قال: (يمكن أختي الصغيرة سرقته) صاح الأب قائلاً: (يا كذاب.. أنت كسرت السيف.. صح ولاّ لا..؟ أنا شايفه هناك تحت الكنب.. شوف ترى أكره شيء عندي الكذاب)، وأَمْسَكَ يد ابنه وضربه، ويوسف يبكي، أخذته أمه، ونام ليلته ودمعته على خده لتكون هي هدية والده وليست السيف.

في هذه القصة ظن الأب أنه معذور في ضرب ابنه؛ لأنه لا يريد أن يكون ابنه كذاباً، وهذا العذر غير مقبول نهائياً.. نقول له: ما الذي جعل يوسف يكذب غير أسلوك.. كان يكفيه أن يقول: (أشوف سيفك انكسر يا يوسف) يقول مثلاً: (إيه كنت ألعب فيه وكسرته) يقول الأب: (خسارة؛ لأن قيمته غالية).. وينتهي الأمر عند هذا الحد. وقتها يفهم يوسف عملياً أنه يستطيع التفاهم مع والده، وأن يقول مشاكله وهو مطمئن، وسيشعر بالخجل من نفسه ويحافظ على هدايا والده أكثر؛ لأن الأب أشعر يوسف بأنه مقبول رغم خطئه بكسر السيف.
أسلوب المحقق أدّى إلى الكذب، والكذب هو موضوع العنصر الثالث


العنصر الثالث: هل يكذب أحد أبنائك؟

أهم أسباب الكذب ما يلي:
1- عدم الأمان.
2- لا تقل يا بني الحقيقة.
3- الكذب الخيالي.
4- يا كذاب.
5- أمي وأبي يكذبان أيضاً.

أهم أسباب الكذب،هو: الخوف وعدم الشعور بالأمان..

عندما نستخدم أسلوب المحقق -كما رأينا- أو نستخدم العقاب الشديد أو النهر واللوم والصراخ بصوتٍ عالٍ عندما يتصرف بشكل خاطئ؛ فيكذب في هذه الأحوال للدفاع عن نفسه، والتخلص مما يخاف من العقوبة.
علاج هذا النوع من الكذب، يكون باستخدام الحوار والتفاهم، والأهم إشعاره بالأمان، والسؤال هنا:هل يمكن للوالدين أن يشعرا أبناءهما بالأمان إذا لم يكونا يشعران أصلاً بالأمن والطمأنينة في قلبيهما؟ إن فاقد الشيء لا يعطيه، لذا ينبغي أن يتأملا أسباب عدم طمأنينتهما، سواء في صلتهما بالله أو علاقتهما الزوجية أو ما يتصل بالعمل.. فيبدآن أولاً بتحقيق الأمان والسكينة والطمأنينة لنفسيهما، والإكثار من الدواء الرباني، يقول علام الغيوب: "أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ" (الرعد: من الآية28).

من أسباب الكذب ألا نسمح له بقول الحقيقة:
خذ على سبيل المثال موقفاً قد نحتار فيه، عندما يقول الطفل لأمه: إنه يكره أخاه الجديد، يقولها لشعوره بالغيرة منه، قد تضربه أمه لقول الحقيقة وتقول له: عيب لا تقل هذا الكلام، أما إذا لف ودار وساير أمه، وأعلن كذبة واضحة بأنه حالياً يحب أخاه قد تكافئه أمه بحضنه أو قبلة فيستنتج الطفل أن الحقيقة تؤذي، وأن عدم الأمانة وعدم الصدق يفيد، والأم تكافئه، إذن فهي تحب الكذبات الصغيرة.

العلاج لهذا النوع من الكذب (لا تقل يا بني الحقيقة): قبوله بعيوبه والعمل على تعديلها، نعترف بمشاعره السلبية، ونظهر تفهمنا لها ونشعره باحترامنا لاستقلاليته، واستقلالية مشاعره عنا، وهذا كفيل -إن شاء الله- بزوالها، مع عدم لومه أو معاتبته عليها، مع العمل على علاج جذور المشكلة التي أدت إلى الشعور السلبي الذي رفضته الأم بطريقتها الخاطئة.. كانت المشكلة أنه يغار من أخيه، هذا الأخ سرق اهتمام والديه، وأكل الجو عليه، فيكون العلاج بعد قبوله بمشاعره السلبية، أن نعمل على تغييرها بإعطائه مزيداً من الاهتمام الصادق والمشاركة في اللعب والحديث وتحسين العلاقة بينه وبين أخيه بطريقة غير مباشرة مثلاً: (أخوك يحتاجك.. أنت ستساعده.. هو يحتاج واحد يلعب معه.. أنت الذي ستفهمه.. أنت الذي ستعلمه.. أنت الذي ستساعدنا على تربيته... إلخ).

3- السبب الثالث من أسباب الكذب: (الكذب الخيالي)،وهو عند الأطفال الصغار.
لمدة معينة من حياة الغير، يعطي الطفل لنفسه ما يحتاجه من (الأمان) أو يتمناه من (الحنان) أو (الهدايا) من خلال الكذب الخيالي، فأكاذيبه هنا تتحدث عن مخاوفه وآماله، عندما يقول الطفل إن أحد أقاربه أهدى إليه سيارة حقيقية كسيارة والده، يمكن أن ندرك رغبته وآماله في ذلك، فنقول له:أنت تريد يكون عندك سيارة مثل سيارة أبيك.. صح.. أنت تريد يكون عندك سيارات كثيرة وسريعة.. جيد)، وهكذا مع مختلف الكذبات التي من هذا النوع.. أظهر تفهمك لما خلف الكلام من المشاعر والمعاني، وساعده على إظهارها والتعرف عليها وقبولها منه، واحذر من الأخطاء الشائعة التي يقع فيها كثير من الآباء، سواء من السخرية بهذه الكذبات أو نهره عن هذا الكلام أو اتهامه بالكذب، هذا الاتهام بالكذب سيؤدي به مستقبلاً إلى السبب الرابع من أسباب الكذب.

4- السبب الرابع من أسباب الكذب [يا كذاب]، وهو أن يسمع والديه وهم يقولون له: يا كذاب، سواء بالتصريح أو التلميح بأنه بهذا الوصف..
الذي يكون عندما نرسل له هذه الرسالة (يا كذاب) هو أن نخزن في عقله الباطن صورة الكذاب عن نفسه، فتحركه هذه الصورة نحو الكذب تلقائياً، خلاف ما لو كانت الصورة التي تطبعها في ذهن ابنك عن نفسه صورة مشرقة، كصورة المجاهد والعالم، الذي كانت إحدى الأمهات تذكر ابنها بها، وكانت هذه الصورة هي فعلاً الصورة التي بدأت تكسو شخصية هذا الابن وتحركه نحو الوصول إلى هذا الطموح الرائع.
ولذلك يجب على الوالدين أن يخزنوا في عقل ابنهم أنه صادق وغيرها من الصفات الحميدة التي يريدون زرعها فيه، ويرسلوا هذه الرسائل باستمرار.
ذكرنا إلى الآن أسباب الكذب عند الأطفال، وهي:
1- عدم الأمان. 2- لا تقل يا بني الحقيقي.
3- الكذب الخيالي. 4- يا كذاب.
ويتبقى السبب الخامس.

5- السبب الخامس من أسباب الكذب: (أبي وأمي يكذبان أيضاً): وهذه مصيبة في الحقيقة، قد يجد الابن والده يكذب على أمه، وأمه تكذب على والده ، والاثنان يكذبان عليه أو على إخوته... وهكذا، فيرث الابن الكذب ويكتسبه من هذا البيت (بيت الكذابين)، وفضلاً عن أن يكون كذاباً فهو يفقد الثقة بأحاديث والديه معه.
قال الشاعر:
كذبت ومن يكذب فإن جزاءه ....... إذا ما أتى بالصدق ألا يصدقا
فالابن لا يفقد الثقة في أحاديث والديه فحسب، بل المرّ والمؤلم أنه يفقد الثقة حتى في عواطفهم، ويفقد احترامه وتقديره لهما، وكل هذا بالغ الألم عليه وعلى والديه الذين لم يتبقَّ لهما شيء بعد كل الذي فقداه.

الدين لا يفرق بين الكذب صغيره وكبيره، فكله كذب، كذلك الطفل، ولذلك يمكن للوالدين أن يسقطوا تاج الصدق عن رؤوسهم أمام أبنائهم بمداومة الكذب ولو في الأشياء الصغيرة.
وعلى من يكذب من الآباء أن يتذكر قول الله –تعالى-:"إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ" (النحل:105) وعليهم أن يخشوا على أنفسهم الكذب وإثم تعليمه صغارهم فيشاركونهم الوزر كلما كذب هؤلاء الصغار مستقبلاً.

أما إذا صحح الوالدان أو المبتلى منهما بالكذب.. هذا العيب الشنيع في نفسه، وصدق هو أولاً مع الله، ثم استمر الكذب عند الابن.. عندها يوجه الطفل توجيهاً مباشراً وهادئاً، ويخوفونه من صفة الكذب، وأن الله –تعالى- يقول:"مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ" (قّ:18)، وأنها من صفات المنافقين والفجّار، وأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- علمنا أن الكذب لا يكون في مؤمن، وأن خوفنا من الله جعلنا نتوب من الكذب (لاحظ الاعتراف بكذبهم سابقاً)، وأنت أيضاً ستتوب من الكذب من هذه اللحظة، ثم اطلب من الطفل أن يتوضأ ويصلي ركعتين.. ويستغفر الله (عشر مرات مثلاً)، وقل له: إنه كلما زاد فهذا أفضل، غالباً سيخبركم أنه استغفر أكثر فأظهر الفرح والإعجاب بذلك، وإن كان صغيراً لا يعرف الصلاة فيكفي الاستغفار -إن شاء الله-، وابذل كل جهدك بعد ذلك لضبطه متلبساً بالصدق فتكرمه بتشجيعك وبالعفو عنه عند خطئه؛ لأنه صادق.

العنصر الرابع: اللعب ثم اللعب ثم اللعب

قصة السيف المكسور التي سبق ذكرها في العنصر الثالث: "لماذا نفشل في الحوار مع أبنائنا" فيها جانب آخر، وهو جانب اللعب، وهذا هو موضوع العنصر الرابع...
لا أظن أبا يوسف عندما أثار هذه الزوبعة من أجل سيف انكسر أنه يدرك الهدف أصلاً من شراء اللعبة، وهو أن ابنه يتسلى بها ويتعلم منها، وهذا الذي حصل، تعلم أنه إذا ضرب قطعة بلاستيكية في الأرض الصلبة بقوة أنها تنكسر وأشبع فضول ابنه..

لماذا الأب غضبان؟! والهدف قد تحقق! قد يكون ذلك لشعوره أنه مطالب بأن يشتري أخرى، وهذا غير صحيح فليس من الضروري شراء أخرى، أو استهانة بالجهد الذي بذله في شراء هذه اللعبة!! أيضاً هذا غير صحيح فالابن لا يقصد إطلاقاً أن يستهين بجهد والده، بل يظل يقدر هذا الأمر، ربما يكون غضباناً لقيمة اللعبة وتكلفتها..

نقول: أنت اشتريتها لهدف، والهدف تحقق وإذا لاحظت أن ابنك قد ملَّ من اللعبة لا تجبره بالاحتفاظ بها؛ لأن هذا مسؤولية وَهَمّ جديد عليه، وتتحول من لعبة تسلية ويستمتع بها ويعمل معها صداقة إلى هَمٍّ على رأسه، فمجرد ما تراه قد انتهى منها وملّ منها، نمِّ فيه جانب الصدقة، قل له: ما رأيك أن نتصدق بها إلى أطفال مساكين ما عندهم ألعاب... إلى آخره، وتأخذه بألعابه يسلمها بيده إلى الجماعة الخيرية تُفَرّح المساكين الذين يتصدق عليهم الناس بكل شيء إلا الألعاب لا يتصدقون بها، فنتصدق بألعاب الولد القديمة، وحتى الجديدة لماذا لا نتصدق بها؟!! ونذكره بقوله – تعالى-: "لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ" (آل عمران: من الآية92)، ونزرع فيه بذرة هذا الخلق العظيم، وهذه العبادة العظيمة.

لماذا نظن أن اللعبة الجيدة هي الغالية؟! هذا غير صحيح، فضول الولد يتوجه لكل شيء، لذلك أشياء بسيطة جداً قد تسليه وتثير خياله وتحرك جسمه أيضاً، بل حتى مخلفات البيت يحولها إلى ألعاب ممتعة (خذ يا ولدي فهذا قالب بيض فارغ ضع فيه بقايا الرز واربطه بخيوط وعلقه بشجرة حتى نتفرج على العصافير وهي تقف عليه وتأكل منه).

الأنشطة بالنسبة للطفل إما ممتعة تستحق القيام بها أو غير ممتعة لا تستحق القيام بها، هذا تصنيف يمشيه على كل شيء، سواء على المذاكرة أو الأعمال المنزلية، لذلك لو ربطنا بين الأعمال المنزلية اليومية واللعب والتسلية واستطعنا تقديمها في قالب المتعة، سيتعلم المسؤولية ويساعد ويشارك، مثلاً: تحديد زمن محدد لكل ابن حتى يرتب غرفته، (يا عيال أمامكم خمس دقائق لكل واحد يرتب فيها غرفته) في جو من الإثارة والقبول، يمكن الاكتفاء بالفكرة إلى هذا الحد ويمكن وضع حافز بسيط معنوي أو مادي لكل المشاركين، وحافز إضافي لصاحب أجمل غرفة، فيُقْبِل الابن على هذه العملية بطريقة ممتعة له.
يجب أن نكسب كل ما نريده من الأبناء برداء اللعب والمتعة كقاعدة عامة، وهذا ما يريده الأطفال، يريدون اللعب في المدرسة، ويريدونه عند الطعام، ويريدونه عند النوم، مستواه الدراسي يرتفع إذا قدمت له المادة العلمية على شكل ألعاب مسلية، فَهْم هذه النقطة من أسباب تألق العديد من المدرسين.

كل ما على الآباء أن ينتهزوا اهتمام الطفل بشيء، فهو دائماً يهتم بشيء، نعطيه الحرية لإشباع فضوله ونطلق خياله ونشاركه، كل هذا يعكس مفهومه لحاجته في التخيل واللعب والمشاركة.
يقول الدكتور مأمون مبيض في كتابه (أولادنا من الطفولة إلى الشباب): حاول ألا تكون سلبياً أمام خياله، فإذا قال لك مثلاً عن علبة اللبن الفارغة: إنها سيارة فلا تسارع إلى تحطيم خياله، فتقول: هذه ليست سيارة، بالنسبة إليه هي سيارة تمشي ولها محرك، وعلى العكس حاول أن تشجع خياله على التصور والإبداع، ويضيف قائلاً: لا تحاول أن تتسرع بإبداء اقتراحاتك وهذه مشكلتنا، إذا أردنا أن نلعب مع أولادنا لا بد أن نقترح ونوجه اعمل كذا.

يقول الدكتور مأمون: "اعرض مساعدتك عندما يطلب ذلك، ولتكن مساعدتك عن طريق أسئلة تثير خياله" انتهى كلامه.
قاعدة الكبار: هي أن نضع جهودنا لنصل إلى نتيجة معينة، أما الطفل فلا يستمتع باللعب ولا تهمه المحصلة النهائية أو النتيجة فلا يجب أن نلوم وكأنه أخطأ عندما لم يكمل اللعبة.

فأقول: الخطأ عموماً في اللعب والحياة حق من حقوقه يجب أن نَقْبل بأخطائه ونعطيه الفرصة أن يُعَدِّلَها ويصححها، ولا يمكن أن يتعلم إلا إذا أخطأ، فأنتِ على سبيل المثال، هل يمكن أن تتعلمي الخياطة بقراءة كتاب أو أحد يقول لك: اشتغلي؟ مستحيل!

وإذا كان الكبار يتعلمون بعض الأشياء بالقراءة فقط، فالأطفال يتعلمون كل شيء بالعمل والممارسة، لذلك إذا كنا دائماً نعاتبه على أخطائه فكأننا نعاتبه على التعلم، هكذا يجب أن ننظر إلى اللعب على أنه حصة تعليمية كحصص المدرسة، بل أهم فهو في اللعب يعلم نفسه بنفسه ولا ينسى ما تعلمه، كما هو الحال في المدرسة هناك شخص آخر يعلمه، وأيضاً ينسى ما تعلمه في نهاية السنة ويقضي حصصها بملل، بعكس اللعب، بل ربما تكون أجمل وأحلى لحظات حياته كلها هي لحظات اللعب، لذلك يجب علينا عدم مقاطعة لعبه إلا لضرورة ونتذكر جميعاً كم يكدر صفو الزوجين مقاطعة الأطفال في لحظاتهم الخاصة، وكذلك الأطفال لا يحبون من يقاطع لحظاتهم الخاصة، ولنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة، إحدى المرات أطال السجود حتى ظن الصحابة أنه يوحى إليه أو حدث أمر فسئل عن ذلك، فقال: كل ذلك لم يكن ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته، فلا الصلاة ولا الناس جعل الرسول يقطع لعب الصغير أبداً، ثم لاحظوا كيف سمى اللعب حاجة - صلوات الله وسلامه عليه - حتى النوم إذا أردت أن توقفيه عن اللعب لينام فلا تقاطعيه، بل خذيه مع لعبته إلى الفراش واتركيه قليلاً لينام، أو تحدّثي معه بقصة جميلة أو استمعي لبعض أحاديثه حتى ينام.

يجب النظر إلى أن الأسرة، وهذا البيت كله ما أقيم إلا لهذا الطفل، فكذلك أثاث منازلنا يجب أن نراعي عند اختيارنا طبيعة الأطفال وما نتوقعه، لاحظوا كيف صممنا منازلنا، مجلس الرجال (ممنوع اللعب فيه)، مجلس النساء (ممنوع اللعب فيه)، مقلط الرجال والنساء أيضاً غير صالحين للعب بحرية، ولا حتى حديقة البيت، انتبه لا تخرب الزرع لا تدس الورد، إذا لعب في هذه الأماكن وخرب عوقب، لا يوجد مساحة يمتلكها بالكامل يعمل فيها ما يشاء إلا سريره حتى السرير (لا تقفز على السرير يا ولد)، وللأسف اكتفينا بألعاب (السوني)؛ لأنها لا تأخذ مكاناً، والأبناء يحبونها جداً ويصبحون هادئين تماماً لكن هذا لا يكفي لا بد من النظر في آثارها، ينقل الشيخ عبد الحميد البلالي في كتابه (فنون في تربية الأبناء) حديثاً عن دكتور أمريكي في علم النفس وهو غير مسلم، يقول: ألعاب التلفزيون تسهم إلى حد كبير في غرس آثار نفسية عميقة سيئة، وتعوق الخبرة الواقعية وتزيد من أوهام الطفل بالإضافة إلى غرس مفاهيم مغلوطة مما ينتج عنه أطفال ذوو شخصيات مهزوزة اتكالية عنيفة، غير مقنعة، غير متذوقة للجمال، غير منسجمة مع الواقع، وكلما كانت اللعبة تحتاج إلى مجهود عضلي وذهني من الطفل كانت مفيدة له في غرس هذه الخبرات الواقعية، انتهى كلامه.

هناك أحد الجيران تفهم حاجة أطفاله للعب والاستقلال، استغل سطح البيت وعمل فيه غرفة كبيرة وجعلها للعب، كل ألعاب الأولاد وحركتهم فيها، بل ويشاركهم اللعب أيضاً كلما وجد فراغاً في الوقت، وهذا يسعدهم طبعاً؛ لأنهم يحبون أن يكون لهم مكان في حياته.
أحد الأقارب بيته مليء بالتحف ولمسات ديكور في كل مكان لا تحتمل اللعب خمس أطفال كانوا يسكنون هذا البيت، رغم ذلك لا تعاني صاحبة البيت من أية متاعب، صاحب البيت كان يبني أيام أزمة الخليج، ولذلك جهز قبواً واسعاً احتياطياً، وصار القبو من حظ العيال، مساحة واسعة للعب، ويستفاد منها في المناسبات الكبيرة عند الحاجة، حتى الذي ليس عنده قبو سيجد مساحات ميتة يمكن إحياؤها بضحكة أطفاله وفرحتهم بدون قيود، وهذا أهم شيء (بدون قيود)..

أذكر عندما انتقلنا إلى بيت جديد في الدمام ما فيه إلا السجاد، تعال حتى تشاهد فرحة العيال وهم يركضون في المساحات الواسعة ويلعبون فرحين بدون قيود من الوالدين؛ لأن ليس فيه شيء أصلاً يخاف عليه، لذلك أقل ما في الأمر أن نخفف قدر الإمكان مما نخشى عليه من الأطفال، نجعل بيوتنا أكثر بساطة ونوسع صدورنا أكثر بلعب الأطفال وفوضاهم، والله فوضى أبنائنا وضحكتهم وهم يلعبون بحرية لها حلاوة لا نعرف قيمتها إلا إذا راحوا عنا

العنصر الخامس: لماذا لا نسيطر على أبنائنا تماماً؟!

ويحتوي على عناوين فرعية هي:
أولاً: أبناؤنا والضيوف.
ثانياً: أساليب خاطئة للسيطرة وهي:
1- يا وليك.
2- تطيعني غصب.
3- الأب الراشي والابن المرتشي.
4- أوعدك.
5- ما أحبك.
6- الكلمة الخالدة (عيب).
7- الغضب والانفعال.
ثم نذكر العلاج.

أولاً: أبناؤنا والضيوف:
لماذا نشعر أحياناً أن أساليبنا في التربية تحت الامتحان عندما يتعامل ضيف مع أحد أبنائنا؟!! لماذا نكون قلقين نخاف فشل الولد أو لا يتصرف بشكل صحيح؟!! الولد يشعر بأنه محاصر بنظرات الضيف من جهة وبنظراتنا المشحونة برغباتنا، ومنها: أنه يسلم على الضيف ويقبل رأسه ويبتسم في وجهه...، فالولد يقول في ذهنه: لماذا نظرات أبي إليّ هكذا؟!! لم أفعل شيئاً!!
بعض الآباء يعلم ابنه الأدب بطريقة خطأ..
مثال: عندما ينسى الطفل أن يقول شكراً.. نجد الأب يقول له: قل: شكراً، قل: شكراً.. وبعد الأطفال الصغار مع زيادة إطلاق النظرات والأوامر والإحراج يبكي، ومع كل ضيف يتكرر نفس الموقف.

وتخيلي أختي القارئة لو كنتِ في مجلس كبير وقدمت لك امرأة لا تعرفينها عصيراً ونسيتِ أن تقولي شكراً، ثم قالت امرأة في نهاية المجلس بصوت عالي: قولي لها شكراً، ما هو شعورك؟!! لا شك (قلة ذوق من هذه المرأة؟!)
كذلك نحن لا يصح أن نعلم أبناءنا الذوق بقلة ذوق، وإنما نعلم الابن مُسْبَقاً وليس أثناء دخول الضيوف أو قبلها مباشرة، كذلك عندما يرى والديه ينتهجان السلوك الصحيح يبدأ يقلدهما تدريجياً - إن شاء الله-.

ثانياً: أساليب خاطئة للسيطرة:
1 – يتمنى كل الآباء السيطرة على سلوك الأبناء بتوجيهه حسب رغبته سواء مع الضيوف أو بشكل عام إلى ما يظنون أنها مصلحة الابن وفي سبيل ذلك قد يستخدم الآباء أساليب غير سليمة للسيطرة مثل التهديد أو أسلوب (يا ويلك) وهو أول الأساليب مثل ما نقول للطفل الصغير اعمل كذا مرة ثانية وستشاهد ما أفعل بك! (تهديد) وليس هذا التهديد إلا تحدٍّ لاستقلال الطفل الذاتي، فإذا كان عنده أي احترام ذاتي لنفسه لا بد أن يخالف مرة أخرى ويظهر لنفسه وللآخرين أنه ليس جباناً، ولذلك إذا قلت له اعمل كذا مرة ثانية وتشوف وش أسوي بك! فهو لا يسمع كلمة (وتشوف وش أسوي بك).
مثل قصة عبد الكريم عمره 9 سنوات أمسك البندقية البلاستيك ثم صوبها على أخيه وعمره سنة، فقالت له أمه: عبد الكريم يا ويلك إن ضربت أخاك الصغير، صوِّب على الجدار.

يتغافلها عبد الكريم ويصوِّبها على أخيه مرة ثانية فيبكي الولد وتنزعج الأم أكثر، لكنها تصرفت بحكمة لما أخذته بهدوء مع يده وأجلسته في حضنها وضمته وقبلت رأسه وقالت: يا ولدي الناس ليسوا هدفاً حتى تصوب عليهم البندقية، إلا إذا أصبحت مجاهداً تقتل الكفار، هل تريد أن تدخل الجنة؟! قال: نعم، قالت: هل تريد أن يدخل أبوك وأمك الجنة؟! قال: نعم، قالت: إن كَبُرت تصبح مجاهداً في سبيل الله – إن شاء الله-.
لاحظوا كيف وجهت ابنها بدون ما تثيره للعناد بتحدي استقلاليته، وجهته إلى مفاهيم إسلامية عظيمة وغرستها في نفسه.

الأسلوب الثاني: تطيعني غصب:
فعندما يقول الأب مثلاً: أنا أبوك ولازم تسمع الكلام، فكأن الأب يقول: أنا لا أستطيع أن أقنعك وليس عندي إلا القوة حتى يمشي كلامي، أتمنى أن يتخيل هذا الأب وهو يسمع مديره في العمل يقول له أمام الموظفين: أنا مديرك ولازم تنفذ ما أقول لك، فكيف سيكون رد الفعل؟!

الأسلوب الثالث من الأساليب الخاطئة: الأب الراشي والابن المرتشي:
الصورة الأولى، كقول أحد الوالدين لابنه إذا حفظت جدول الضرب فسأعطيك كذا وكذا يعني ليس متأكداً أن الابن يقدر يحفظ، فالبديل المناسب أن نعترف له أن في جدول الضرب صعوبة ونؤكد على ثقتنا في قدرته على الحفظ كأن تقول الأم مثلاً: الله يعينك، أنا أعرف أن جدول الضرب صعب، وفي نفس الوقت متأكدة أنك ستحفظه، ولا مانع من مكافأته بحافز جيد إذا حفظ ولكن بدون وعد والتزام مسبق، ومن صور هذا الأسلوب:
الصورة الثانية: أن يقول أحد الوالدين لابنهما إذا لم تضرب إخوانك سأعطيك كذا، من ناحية كأننا نقول: نتوق أنك تضرب إخوانك، وهذا يجعله يستمر لأننا رسمنا له صورة عن نفسه.
ومن ناحية أخرى يبدأ الولد يتعمد المخالفة حتى يحصل على ما يريد بطريقة الرشوة، وهذه مشكلة أخرى..

الأسلوب الرابع من أساليب السيطرة الخاطئة: طريقة (أوعدك) :
يجب ألاّ يعطي الآباء وعوداً ولا يأخذوا وعوداً من أبنائهم بقدر الإمكان؛ لأن علاقتنا مع أبنائنا يجب أن تبنى على الثقة، فإذا اهتزت ثقة أحد الطرفين بالآخر أصبحت الوعود والمواثيق ضرورية مثل نبي الله يعقوب عندما فقد الثقة بأبنائه (قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ) (يوسف: من الآية64)، فطلب تأكيد أقوالهم بالأيمان المغلظة والمواثيق (قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ) (يوسف:66)، وهذا توكيد آخر عندما يلزم أحد الأبوين نفسه بأن يعد ويؤكد ما يقول فإنه بذلك يعترف أن كلامه غير الموعود به غير جدير بالثقة، كأنما يقول لأبنائه إذا لم أعدكم فلا تصدقوني، فعندما يعد الأب ابنه ولم يتيسر ذلك لظروف خارجة عن إرادته يشعر الأطفال بأننا نضحك عليهم، ويقتنعون بأن آباءهم ليسوا محل ثقة، والشكوى لا تتوقف، أنت قلت كذا، أنت وعدتني، ويجلس يكررها بطريقة تجعل الأب يندم أنه وعده ولا يستطيع أن يرد رداً مقنعاً، وتصبح شخصيته ضعيفة أمام أبنائه.

الأسلوب الخامس: من أسوأ أساليب السيطرة على الأبناء الصغار وأخطرها أثراً على نفسية الطفل: أسلوب التلاعب بالثوابت النفسية لدى الطفل، كأن تقول الأم لابنها إذا أخطأ: (ما أحبك) ، أو تجمع هذا الأسلوب السيئ مع أسلوب التهديد، فتقول بأسلوب التهديد: إذا فعلت كذا فأنا لا أحبك، فهذا أسلوب سيئ للغاية؛ لأن الأساس الذي يستمد منه الطفل قوته وثقته بنفسه وطمأنينته هو حب أمه له، فإذا هدد بهذا الحب ينشأ ضعيفاً غير واثق بحب أحد له، متعطشاً دائماً للمزيد من الطمأنينة لحب الآخرين له، وللأسف الشديد هذا القلق وعدم الطمأنينة والحاجة للحب تخزن في العقل ولا يمسحها سرعة تغيير الأم لموقفها بابتسامة حنونة بعد استسلام طفلها لهذا التهديد الغريب، أبداً لا يمسحها، ثم إن الأم يجب عليها أن تصدق حتى مع الطفل فإن هذه الكلمة كذب، فهي في الحقيقة ستظل تحبه وإن فعل ما لا تريد، وإنما هي لا تحب الفعل بذاته وليس صاحبه، لا يستهان بالكذب مع الصغير، أخرج الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من قال لصبي: تعال هاك أعطك ولم يعطه كتبت كذبة"، وللأسف مثل هذه الأم تهدي الأمة أجيالاً ضعيفة من الداخل بسوء استغلال هذه لعاطفة ابنها وحاجته لحبها.

الأسلوب السادس: (كلمة عيب) :
يقول الدكتور عبد الكريم بكار في شريط (هكذا تكون الأمهات): "إن كلمة عيب تنمي عند الابن الشعور بالرقابة الاجتماعية فيفهم أنه من الخطأ أن يراك أحد تفعل هذا الأمر وهذا يعني لا مشكلة لو لم يرك أحد.." انتهى كلامه، يعني تربية يومية على الرياء، وهذا سيئ جداً، والبديل الصحيح تنمية الشعور لمراقبة الله بدلاً عن مراقبة الناس – كما ذكرت صاحبة الرسالة التي ذكرناها في (رسالة أم) مقال سابق – وكيف قال ابنها إنها تجلس معه دائماً في الصباح وتنصحه وتذكره بأنه إن لم يكن يرى الله فإن الله يراه وتوصيه بالإخلاص وصدق النية وتغرس في ابنها بذلك سر الصلاح في الدنيا وسر الفلاح في الآخرة، هذا ما نريده تماماً تنمية الرقابة الذاتية في نفس الطفل بتنمية شعوره بمراقبة الله له.

الأسلوب السابع من أساليب السيطرة الخاطئة: أسلوب الغضب والزعل:
يقول الدكتور قتيبة الجلبي في كتابه القيّم (100 سؤال) في مشاكل الأطفال: إن استعمال الغضب والزعل كوسيلة للسيطرة على تصرفات الطفل الخاطئة هي من أكبر وأكثر الأخطاء التربوية شيوعاً، فترى الأم تظل طول النهار عابسة الوجه غاضبة على طفلها وقد تصرخ به بين الحين والحين، وكأن هذا الزعل هو بالذات وسيلة للسيطرة على الطفل وتعليمه الانضباط.

ولو أن شرطياً لا يحق له استعمال أياً من سلطاته وكل ما يبديه هو العبوس في وجه المخالفين والصراخ هنا وهناك، هل تعتقد أن هناك من سيطيعه؟! أبداً ليس الخطأ إظهار زعل الوالدين أحياناً حتى يعرف المشاعر التي سببها، ولكن إظهار الغضب دائماً هو الخطأ. انتهى كلامه.
إضافة إلى ما في ذلك من استنزاف – أي الغضب والانفعال – إضافة إلى ما فيه من استنزاف لأعصاب الوالدين وإرهاق لنفسيتهم وإضعاف تدريجي لقيمة غضبهم في أعين صغارهم، كل هذا يجتمع ليجعلنا نبتعد عن هذا الأسلوب.

الطرق السليمة للسيطرة على الأبناء (العلاج) :
الخطوة الأولى: نَقْل العلاقة من الصراع إلى الوفاق، الوالدان يعيشون مع أبنائهم فيما يشبه حالة حرب على الواجبات المدرسية، على وجبات الطعام، على الحفاظ على أثاث المنزل، على الشجار بين الإخوان.. وهكذا، والحقيقة الأطفال لديهم طاقة ووقت لمقاومة ضغط الوالدين أكثر مما لدى الآباء، ولا يمكن كسب هذا الصراع إلا إذا كسبنا الأطفال أنفسهم، هل يمكن فعلاً أن نكسب الأطفال؟!!
نعم يمكن أن نكسب أطفالنا من خلال بعض التعديلات على طريقتنا معهم ستكون متعبة في البداية فقط ثم ستكون متعة في حد ذاتها إن شاء الله:
أولاً: الاستماع بحساسية: الأب أو الأم الذي يستمع باهتمام لابنه ينقل له المعنى التالي (أنت أفكارك قيمة أنت محترم وتستحق اهتمامي) وهذا يعطيه رضا وهدوءاً داخلياً وثقة جيدة في نفسه وبمحبة أهله وتقديرهم له، حب الاستماع من الابن يشعره بقبولنا له على طبيعته واحترامنا لشخصيته وتفهمنا لحاجاته.
ثانياً: الامتناع عن إلقاء القنابل والمتفجرات عليه.. كيف؟!!
1 – أي الامتناع عن الإهانات.. يا قليل الأدب، يا قليل الحياء، أنت ما تفهم، ولا يمكن أن نتوقع من الطفل احترام نفسه والآخرين إذا كان والداه يهينانه بهذه الطريقة.
2 – التنبؤات والتوقعات السلبية مثل: أنت راسب نهاية هذه السنة.
3 – التهديد: إذا ما سمعت الكلام تجلس في البيت ونذهب ونتركك وحدك أو خلّك تضايق أختك تشوف وش أسوي لك!!
4 – الاتهامات: أكيد أنت الذي ضربت أخاك، أكيد أنت الذي كسرت الإضاءة، أو نتهمه بأنه ما يسمع الكلام.
5 – الدعاء على الابن: ونحذر من الدعاء عليه، مثل: الله يأخذك أو الله يعلك، وهذه خطيرة جداً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم ولا تدعوا على خدمكم ولا تدعوا على أموالكم لا توافق من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم".
ثالثاً: ذكر الوالدين مشاعرهم وأفكارهم بدون هجوم: يحرص الوالدان على ذكر مشاعرهم وأفكارهم بدون هجوم على شخصية طفلهم وكرامته، كما يحرصون على إبداء رأيهم سواء مدح أو ذم للسلوك نفسه وليس الطفل وهذا مهم جداً.
إن هذه العناصر الثلاثة السابقة، وهي: الاستماع، والامتناع عن إلقاء القنابل عليه، وذكر الوالدين مشاعرهم وأفكارهم بدون هجوم عليه، هذه العناصر تخلق جواً ودياً يشد الطفل أكثر لوالديه بسبب مواقفهم العادلة ومراعاتهم لمشاعره وظروفه ولباقتهم معه وهذا كله يجعلهم يكسبون الطفل تماماً ويملكون أقوى وسيلة للسيطرة عليه.
الاستماع، والامتناع عن إلقاء القنابل عليه، وذكر الوالدين مشاعرهم وأفكارهم بدون هجوم عليه، هذا كله يجعلهم يكسبون الطفل تماماً ويملكون أقوى وسيلة للسيطرة عليه..

انتهى هذا العنصر، ومع العنصر السادس بعنوان: (فن العقاب).

العنصر السادس: فن العقاب

ذكرنا في العنصر السابق وسائل السيطرة على الأبناء، والعقاب وسيلة مساعدة في السيطرة، وحديثنا عن العقاب هو العنصر السادس من هذه العناصر.

أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتعليق السوط في البيت وكأنه إشعار للأبناء بإمكانية العقوبة، إننا يجب أن نضبط انفعالاتنا عند العقوبة ثم نحسن اختيار العقوبة المناسبة، ومن أنواعها المعتادة: الحرمان من شيء محبوب، أو إظهار عدم استحسان السلوك، أيضاً من العقوبات: أن يترك يتحمل نتائج عمله بعد تنبيهه مسبقاً، مثل مشكلة التأخر في الاستيقاظ من النوم، ينبه مسبقاً ثم يترك يتحمل العقوبة في المدرسة، وهناك نوع مفيد جداً من العقاب لا يستخدمه كثير من الآباء، وهو الحجز المؤقت، كأن يطلب من الولد الجلوس على كرسي محدد في جانب الغرفة أو أن يقف في ركن من الغرفة بعض الوقت في مساحة صغيرة تُشعره أنها عقوبة، وتوضع ساعة منبهة مضبوطة على مدة انتهاء العقوبة وهي من خمس دقائق إلى عشر دقائق كافية إن شاء الله يطلب من الطفل التنفيذ فوراً بهدوء وحزم، وإذا رفض يأخذ بيده إلى هناك مع بيان السبب لهذه العقوبة باختصار، ولا يتحدث مع الطفل أثناءها أو ينظر إليه وإذا انتهت العقوبة اطلبي من طفلك المعاقب أن يشرح لك أسباب العقوبة حتى تتأكدي من فهمه لسبب العقوبة، تطبق هذه العقوبة على جميع الأبناء من عمر سنتين حتى 12 سنة، إذا كرر الهرب من مكان العقوبة يتحمل عندها الحجز في غرفة تغلق عليه مع مراعاة أن الحجز في غرفة لا يستخدم إلا بقدر الضرورة الملحة ولفترة محدودة، والأصل الحجز في زاوية أو على كرسي في غرفة مفتوحة.

ومن طرق العقاب الشائعة (الضرب)، فأما الضرب الخفيف المنضبط عند الحاجة فنعم، وأما عدا ذلك فهو يضر أكثر مما ينفع، على أيّة حال يستخدم الضرب كورقة أخيرة، ويجب على الأب الحذر من التعامل معه لأنه لو استخدمها ولم تُجْدِ ماذا سيفعل؟! ستسقط هيبته وهيبة العقوبات وسيستهين الأبناء به مهما اشتد ولو في قرارة أنفسهم، ومما يجب مراعاته عند الضرب تجنب الوجه، وألا يضرب الأب وهو غضبان وهذا مهم جداً، وليكن الأب قدوة لأبنائه في كيفية تعامله مع غضبه بالاقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من وضوء واستعاذة وتغيير وضعه جلوساً أو قياماً أو اضطجاعاً، ثم يتصرف مع أبنائه بما يراه صواباً.
من الأخطاء الشائعة في الضرب: أن تهدد الأم ابنها بأن أباه سيعاقبه عندما يعود إلى البيت وهذا يجعل الأب شرطياً مهمته العقاب لا صديق حميم، بل إن الوالد قد يشعر بالحرج من زوجته يعني يعاقب على شيء لم يشهده، وإذا كان الأب متعباً قد يترك الابن دون عقاب فنكون هددنا ولم ننفذ، وعموماً الضرب له ضوابط ومحاذير كثيرة وطالما هناك وسائل إيجابية فعالة فيحسن ترك هذا الأسلوب بقدر الإمكان.
لا تسمح لأية تصرفات من أبنائك أن تستفزك إلى درجة الضرب حتى ولو كانت مشاجرات ومزعجة ومقلقة، أتوقع أن يتغير الكثير من نظرة الآباء والأمهات للشجارات ويغيروا من طريقة تعاملهم معها بعد قراءتهم بمشيئة الله تعالى للعنصر التالي من عناصر الموضوع وهو (دعونا نتشاجر من فضلكم)..

العنصر السابع: دعونا نتشاجر من فضلكم
المشاجرات رغم إزعاجها وقلق الوالدين منها ومن تأثيرها على شخصيات أبنائهم وعلاقتهم ببعض تظل هذه المشاجرات أمر طبيعي وفطري مفيد لهم يجربون خلاله مشاعرهم ومشاعر الآخرين من خيبة الأمل واختلاف وغضب وانزعاج ، متى يغضبون ؟! متى يغضب الآخرين ؟
يتعلمون من مشاجراتهم كيف يدافعون عن أنفسهم و حقوقهم وهذا مهم ، بل كيف يدافعون عن بعضهم البعض ، كما يكتشفون خلالها طرق حل هذه الخلاف ، هذه الأشياء التي ذكرناها هي الأقرب لحياتهم القادمة .

بل قد تستغرب لو قلت أنها تقوي العلاقة بينهم فقط لو أعطيناهم فرصة الخلاف وفرصة حل الخلاف ، إن دورنا المراقبة الهادئة من بعيد هذه حياتهم وهذه علاقتهم فيها حلو وفيها مُرّ .

أنت شخصياً علاقتك مع الزوج فيها حلو وفيها مر وفي نفس الوقت ترفض تدخل أي إنسان في كل مشكلة أو خلاف عادي بينك وبين زوجتك حتى لو كان هذا المتدخل أقرب الناس ، كذلك الوالدين ينبغي ألاّ يتدخلا في خلافات الأبناء إلا عند توقع أضرار حقيقية نزف أو كسر وهذا نادر جداً ، أما غير ذلك من الشجارات المعتادة إن رافقها صراخ عالي أو بكاء فعليك بالتالي :
الاحتفاظ بهدوءك الكامل ، فإذا أزعجك الصراخ أغلق الباب عليهم أو اطلب منهم أن يختاروا مكان آخر ليحلوا مشاكلهم فيه لأن أصواتهم تزعج قل لهم ذلك ولا تتدخل نهائياً فإن بدؤوا بالشكوى أو عرض خلافهم فاستمع لمدة دقيقتين لكل واحد منهم وقل في الدقيقة الأخيرة أنتم تعرفون إني أقدر أحل المشكلة وأنا أعرف إنكم تقدرون تحلون المشكلة وتتجاوزن عنها و لذلك لن أتدخل أنتم إخوان وقل هذا حتى للصغار ،
بعض الخلافات بالذات بين الصغار تكون للفت انتباهك وحتى منهم أكبر قليلاً ليعرف كل واحد منهم من ستختارين أن تكوني في صفه ولذلك لا تتدخل إلا إذا استمر الخصام أكثر من ثلاثة أيام دع الأبناء يكتشفون حلول لأنفسهم ، ونقدر أن في داخل الأم و الأب غريزة لدفع الأذى عن أولادهم ورفع الظلم عنهم ، احتفظ بهذه الغريزة للمواقف الحقيقة في الحياة وتحكم بها تماماً بين أبناءك أثناء مشاكلهم المعتادة فلا تضعف أمام بكاء الطفل المهموم إذا جاء يتحدث عما في نفسه استمع إليه باهتمام كما تستمع لغيره باهتمام بدون أن تظهر موقفك من القضية أو تقترح شئ .

إذاً في موضوع شجارات الأبناء اخفضوا قليلاً من السلطة المركزية في البيت أعطوا الفرصة لشخصيات أبناءكم لتنمو بشكل طبيعي ، أما الأباء والأمهات الذين نجحوا من خلال سياسة القبضة الحديدية إلى تحويل بيوتهم إلى فنادق ليس لأحد شغل بالثاني ، نقول لهم الخدمة التاريخية التي ممكن تقدمها لأبنائك ليست هذه . الخدمة التاريخية هي إشاعة جو العدالة و إشاعة جو المحبة وهما العلاج العميق للأسرة .

العنصر الثامن: هل يشعر أبناؤنا بالعدل؟

يكون الحديث حول ثلاثة أركان رئيسية، هي:
1- المساواة.
2- عدم المقارنة.
3- سن القوانين والأعراف الأسرية.

أولاً: المساواة:
وأقصد بها المساواة الدقيقة، وبالذات على وجبة الطعام لأنها مكان الاجتماع، مساواة فيما يخص الطعام، ومساواة في توزيع الكلام، مساواة في توزيع الانتباه والاهتمام، مساواة في توزيع النظرات والضحك والمداعبات كل هذا بقدر الإمكان، يحرص الأب أن ينمي عدالة في هذا الجانب، كذلك المساواة في الهدايا والأعطيات والمساواة باتخاذ القرارات، لذا يجب استشارة الجميع بدون استثناء وأخذ القرارات بالأغلبية فيما يخصهم، وهناك جانب مهم جداً وهو المساواة في الإصغاء والاستماع: تعرفون الأبناء يتفاوتون في الجرأة والخجل وليس كل واحد منهم يبادر بالحديث ويستأثر بأذن والديه واهتمامه ومنهم من تزيد متعة الاستماع إليه ومنهم من تقل، لضبط هذا الجانب الصعب ولتلبية حاجة الأبناء إلى الاستماع إليهم والاهتمام بهم والتعبير عن أفكارهم، لتلبية كل ذلك بمساواة بين الأبناء يحسن تخصيص وقت للأحاديث الخاصة لكل ابن ربع ساعة أقل أو أكثر ما بين فترة وأخرى كل ثلاثة أيام أو كل نهاية أسبوع مثلاً.
كلما زادت المدة، مدة هذا اللقاء، لقاء الأحاديث الخاصة وتقاربت أيامها كلما كان ذلك أفضل ويمكن أن تحتوي هذه الربع ساعة على أية أحاديث عادية أو أسرار من الطرفين أو لعبة أو مشكلة عند أحدهما ولا يستثنى من هذه الطريقة الصغار.

هذه الطريقة في الاستماع على جانب كبير من الأهمية، من الضروري أن يشعر الأبناء بأن هناك وقتاً مخصصاً لكل منهم تحترم خصوصيته ترفض فيها أي تدخلات ويعتذر عن أي مقاطعات، بعض الناس حتى الهاتف ما يرد عليه عندما تبدأ – أيها الأب – وتبدئين – أيتها الأم – بتنفيذ هذه الفكرة وتحرصين عليها ستجدون الثمار واضحة على نفسية أبنائكم بإذن الله وعلى علاقتكم بهم وفهمكم لهم وستقل الخلافات والمشاجرات التي تستجدي اهتمامكم حتى ثرثرة الأبناء وكثرة كلامهم للفت النظر وجلب الاهتمام ستقل أيضاً.

وإضافة إلى كل هذا ستستمتعون بالنظر إلى ثقة أبنائكم بأنفسكم تنمو وتقوى وهناك المساواة بالمشاركة باللعب والمساواة في كلمات المحبة (يا حبيبي – يا عمري) المساواة في حركات المحبة كالضم والتقبيل والتربيت على الكتف ملاعبة الشعر.

ثانياً: عدم المقارنة:
يقول الدكتور قتيبة الجلبي: "المقارنة هي بؤرة وخلاصة المشكلة التي يدور حولها التنافس الأخوي فالإخوة فيما بينهم في حالة مقارنة مستمرة كلما يملك أحدهم من صفات عقلية أو عضلية أو شكلية كلها تقارن بنفس المقادير منها عند أخيه أو أخته وهنا يبدأ دور الوالدين، أهم ما يمكن عمله هو الحرص التام على عدم وضع أيّة مقارنة بين الأبناء" انتهى كلامه.
إذاً أهم ثلاث مناطق يجب عدم الاقتراب منها وهي:
1- المقارنة في الذكاء والقدرات العقلية ومن صورها: انظروا إلى أخيكم فلان دائماً يحصل على (ممتاز) تتبرمج فوراً على النحو التالي أمي تظن أن أخانا فلاناً ذكي ونحن أي كلام!
2- المقارنة بالقوة العضلية والمهارة الحركية بين الأولاد مثل لا تتشاجرون مع فلان هو أقوى منكم، أو محادثة السمين والبدين بالنصيحة التالية: لماذا لا تلعب رياضة وتخف وزنك حتى تصبح مثل أخيك فلان.
3- المقارنة في الجمال بين البنات، ومن صورها مجرد الثناء على جمال فتاة بحضور أخت لها وما يدور في ذهن أختها كالتالي: بما أنهم مدحوا شكل أختي إذاً شكلي .........
الجوانب الثلاثة كلها تمس شعوره بقبول الآخرين له ولعيوبه وبالتالي قبوله لنفسه مع التنبيه إلى أن مشكلة المقارنة لن تنتهي حتى بعد ما تعملوا هذا كله لأن الأبناء أنفسهم يقارنون حالهم بإخوانهم كما أن مقارنات الأقارب والمعارف وملاحظاتهم العبقرية حول الأبناء مستمرة! لكن المشكلة ستخف كثيراً إذ إن الابن يمكن أن يتقبل نفسه بنقائصه إذا تقبله الآخرون وأهمهم والداه، وهذا ما نشعره به بهذه الإجراءات، إذاً لإشاعة جو العدالة نشعر أبناءنا بالمساواة العملية وعدم المقارنة.

وأيضاً وهو الركن الثالث: سن القوانين والأعراف المنزلية:
يسن الوالدان في البيت مجموعة من القوانين والأعراف ثم يتم عرضها على الأولاد لأخذ آرائهم ومناقشتها في جو عائلي مرح والاتفاق معهم على العقوبات المقررة على المخالفات الكبيرة ولا مانع من تعليقها في لوحة أخبار البيت كما سيأتي بيان هذه اللوحة تعليقها للتذكير فلا يخالف الأبناء الاتفاق ولا يتجاوز الآباء حد العقاب عند المخالفة.
من الأعراف التي يجب إعلانها بوضوح:
1- لكل ابن حدودٌ تعتبر ملكه الطبيعي ولا يحمد لإخوته أن يتعدوا على هذه المنطقة بدون رضاه فغرفة الطفل مثلاً تعتبر حدوده الشخصية ويُعَلَّم الجميع الآداب الشرعية للاستئذان للتقيد بها عند دخول غرف الآخرين وإن كانوا أكثر من طفل في غرفة واحدة توضع خطوط وهمية فيما بينهم لتكون لكل واحد منهم منطقته الخاصة.
2- يتولى الأبناء حل خلافاتهم بأنفسهم ويمنع إزعاج الوالدين بها مهما كانت الأسباب.
3- يلتزم الجميع بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم "لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث".
4- لا يجوز قطع السلام بين الإخوة المتخاصمين مهما كان خلافهما.
5- يحق للوالدين مكافأة أسبق الأبناء إلى حل خصوماته مع إخوانه.
6- لا يحق لأي فرد من أفراد الأسرة سواء من الآباء أو الأبناء التخلف عن وجبة الغداء بدون عذر تقبله الأغلبية.
هذه أمثلة لما يمكن أن يسن من الأعراف والقوانين المنزلية، كل هذا كان لإشاعة جو العدالة من خلال المساواة وعدم المقارنة وسن القوانين.

العنصر التاسع: كيف تضاعف محبة أبنائك لبعضهم؟

أولاً: التهادي المستمر:
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "تهادوا تحابوا"، اشتراك الأم مثلاً مع الأبناء لشراء هدية للأب، أو العكس، الاشتراك مع الأبناء لشراء هدية لأحدهم سواء اشتراك مالي واشتراك ذهني في اختيار الهدية التي سيفاجأ بها هذا الأخ يقول الأب مثلاً تعالوا يا أولاد نريد القيام بمؤامرة على أخيكم، فلان أخوكم له شهر كامل لم يتأخر عن صلاة الفجر، ما رأيكم ما الهدية اللي نفرحه بها من يغلفها؟ أين نضعها؟ نكتب معها رسالة أو لا؟ من يكتبها؟ متى نقدمها؟ وهكذا.. يحاول أن يشرك الجميع.
ملاحظة:
الأبناء يحبون ألفاظاً مثل مؤامرة، وعصابة، وخطة، وموعد تنفيذ الجريمة والضحية، في المثال السابق الضحية هو الشخص المهدى إليه، وطبعاً ليس في هذه الكلمات أي خطورة بإذن الله.

ثانياً: تعليق لوحة تسمى لوحة أخبار البيت أو أي تسمية أخرى:
تقسم إلى مساحات متساوية لكل ابن مساحة خاصة يكتب فيها ما يشاء على ورقة ويثبتها في مساحته، ويمكن أيضاً أن يكتب فيها الوالدان أسئلة مسابقة أو كلمات شكر على سلوك يرغبان في تثبيته في المنزل، ولا أرى إدخال الأمور المدرسية فيها تجنباً لإثارة المقارنات في نفوس ا لأبناء إلا أن يضع أحدهم شيئاً من ذلك في زاويته بنفسه فذلك شأنه.
ستكون هذه الصحيفة مصدر متعة غير طبيعية وخصوصاً حينما تحوي أخبار الصغار وطرائفهم ورسائل الكبار المتبادلة في الشجارات وطبعاً ستكون ممتعة للغاية يكفي لإحيائها وتحريك الجميع لملء مساحاتهم وتجديدها باستمرار أن يشاهد الأب والأم ما فيها يومياً ويتابعان جديدها ويسألان عنه ويقرآن تقارير أبنائهم عن أنفسهم فتكشف للأبناء وللوالدين الكثير من جوانب شخصياتهم وأيضاً تخفف من انفعالات التعبير عنها وتنمي المهارات الكتابية وتدرب الجميع على القراءة بطريقة مسلية وتعطي فرصة للكثير من إبداعات للظهور مثل الخط والرسم والشعر وغيرها، ستكون هذه اللوحة بإذن الله وسيلة فهم للآخرين تقوي الروابط الأسرية وتساعد على التعبير عن النفس.

ثالثاً: تعويد الأبناء على الاعتذار فيما بينهم:
ولا يكون ذلك بالتوجيه المباشر من قولنا كالعادة اعتذر من أخيك، بل لا بد من التدريب العملي على الاعتذار فيبدأ الوالدان بنفسيهما فيعتذران لبعضهما إن أخطأ أحدهما على صاحبه فيما يمكن اطلاع الأبناء عليه ويعتذران من أبنائهما إن أخطأ أحدهما على ابنه، نعم أيها الإخوة فالحق لا يعرف كبيراً، هذه هي الطريقة المنطقية لإكساب أبنائنا هذا السلوك الحميد وهو أن نبدأ بأنفسنا فنربيها على ما نتمناه في أبنائنا.

رابعاً: هناك طريقة لزيادة المحبة بين الإخوة وهي: لعبة أنا أعرف أسرتي:
يجمع الأبناء ثم يطلب منهم أن يكتب كل واحد ميزات وإيجابيات إخوانه جميعاً بدون ذكر سلبيات ويمكن مساعدة الصغار في الكتابة، يتم إعداد نموذج جميل خاص بهذه اللعبة تقسم فيه الورقة إلى حقول وكل حقل يكتب في أعلاه اسم أحد الأبناء بخط جميل ويعطى الأبناء فرصة كافية للتفكير جيداً لكتابة الميزات والإيجابيات واستحضار المواقف التي تشهد لهذه الصفة تعلق الإيجابيات في صحيفة أخبار البيت فوائد هذه اللعبة كثيرة جداً وآثارها أعمق مما تتخيلون سواء في تنمية سلوكياته الطيبة وتثبيتها أو في انتباه الابن لميزات إخوانه أو بمعرفته لنفسه من خلال آراء الآخرين كما تزيد معرفتكم أنتم بأبنائكم وبالجوانب التي يهتمون بها في الآخرين.

هذه اللعبة تزيد - إن شاء الله – من الألفة والمحبة بين الأبناء وتحتاجها الأسرة على فترات متباعدة نسبياً ويعلن غرضها وهو معرفة الإيجابيات الجديدة التي اكتشفها الأبناء في إخوانهم أو التي تطبّعوا بها حديثاً، أيضاً هذه اللعبة ستشعر كل ابن بتفهم الآخرين له وتقديرهم لميزاته وباستقلال شخصيته وبقبول مَن حوله لها ونظرتهم الإيجابية ومتابعتهم لتحسين نفسه وكل هذا يحتاجه الأبناء.
كالعادة ابداع رائع

وطرح يستحق المتابعة

شكراً لك

دمت بكل خير..
أضف رد جديد